بقلم - عبد اللطيف المناوي
حريق استوديو الأهرام ليس مجرد حريق عابر، بل هو حريق ذكريات، حريق ذاكرة حية ظلت تعيش معنا لسنوات طويلة فى العديد من الأعمال السينمائية والتليفزيونية. هو حريق مخزن أحداث وشخصيات مروا على الاستوديو طوال 80 عامًا من الزمان. لا أبالغ فى القول إنه حريق 80 سنة من ذاكرة هذا البلد الفنية.
زار رئيس الحكومة ومعه عدد من الوزراء مكان الحادث. ربما شاهدت على وجوههم إحساسهم بفداحة الخسارة، التى لم تكن بشرية بحمد الله، لكنها كما قلت خسارة سنوات عديدة، كبرت وتربت فى وجداننا، حتى لو لم ندركها جيدًا ونحن نشاهدها على شاشات السينما أو التليفزيون، لكنها تسللت إلى ذاكرتنا البصرية، وانطبعت، لدرجة كسر الإيهام.
الاستوديو تأسس عام 1944، خلال الحرب العالمية الثانية، على يد اليونانيين أفابخلوس أفراموسيس وباريس بلفيس، ويقع على مساحة 27 ألف متر مربع، ويضم 3 بلاتوهات (مواقع تصوير) وصالة عرض وصالة دوبلاج، إضافة إلى معمل التحميض والطبع. لقد ظل الاستوديو هذا الوقت صامدًا أمام تقلبات الزمان، وشهدت أروقته تصوير نحو ثلث إنتاج مصر السينمائى والتليفزيونى، ولكنه لم يصمد أمام الحريق.
استوديو الأهرام كان من أولى الاستوديوهات التى أُنشئت فى مصر، فلو تتبعنا الحركة السينمائية فى بدء ظهورها لوجدنا أنه لم تكن هناك استوديوهات تتماشى وحال صناعة السينما، بل إن المشتغلين بالسينما كانوا يعمدون إلى تصوير المناظر فى حدائق وبيوت الأغنياء.
وكان أول استوديو تم تأسيسه فى مصر بالإسكندرية، وتحديدًا فى باكوس بمنطقة الرمل، وحسب كتابات الكثيرين من نقاد السينما، كان هذا الاستوديو عبارة عن دار سينما باكوس، التى حُولت صالتها إلى استوديو، تم تجهيزه بالمُعَدات الممكنة فى ذلك الوقت. أما فى القاهرة فأقامت عزيزة أمير استوديو «مصر الجديدة»، الذى أخرجت فيه فيلم «بنت النيل»، حتى جاء الأستاذ يوسف وهبى، وأقام مدينة «رمسيس»، وفيها استوديو للتصوير، ثم تأسس استوديو مصر، وفى الأربعينيات تأسس استوديو الأهرام.
كل هذه الاستوديوهات فى الحقيقة ذاكرة تعيش معنا وفينا، ومنها استوديو الأهرام، بكل تأكيد، الذى يمتلئ بالكثير من القصص والحكايات، أذكر منها على سبيل المثال قصة المخرج السينمائى الذى أخرج فيلمًا واحدًا، وهو إبراهيم السيد، والذى بدأ حياته عاملًا لـ«الكلاكيت»، ولكن إصراره وموهبته دفعاه إلى أن يصبح مخرج فيلم «الله أكبر»، بعد اعتذار حسام الدين مصطفى عن عدم إخراجه، وقد صُورت مشاهده فى استوديو الأهرام.
حكايات أخرى، وديكورات لأعمال أخرى، مثل مسلسل «أرابيسك» وفيلم «الأرض» ومسلسل «الجماعة 2»، ومعامله التى شهدت خروج العديد من الأعمال المهمة، منها «عنتر وعبلة» و«الناصر صلاح الدين» وغيرهما مما هو موثق على تترات تلك الأعمال. ربما تحول جزء كبير من كل هذا إلى رماد تحت الحريق.