بقلم - عبد اللطيف المناوي
«الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام».
عجزت أن أفهم يومًا كيف لجماعة تحمل هذا الشعار منذ نشأتها أن تنمو وتزدهر!. عجزت أن أفهم كيف لتلك الجماعة التى تلقى دعمًا واضحًا بالعين المجردة أحيانًا، وبغض الطرف فى أحايين أخرى من قوى دولية غربية- بما فيها أمريكا ذاتها- أن تستكمل مسيرتها لتحقيق أهداف الشعار الذى ترفعه.
الموقف الدولى «المائع» طوال السنوات الأخيرة ومنذ نشأة جماعة «الحوثيين»- أصحاب الشعار المذكور فى المقدمة- يتسم معظم الوقت بتخاذل لا يملك الميالون لنظرية المؤامرة إلا أن يعتبروه تخاذلًا مقصودًا.
فكيف السماح لمثل هذه الجماعة، وهى تحمل تلك التوجهات الواضحة، بالترعرع والتمركز إلى الحد الذى صاروا فيه يسيطرون على إحدى أكثر البوابات التجارية العالمية!، كيف سُمح لهم أن يسيطروا على مدخل البحر الأحمر وعلى حركة التجارة فى باب المندب بهذا الشكل؟!.
ولو ادّعَى ساسة الغرب، وهم يملكون ما يدّعون من خبرة وقدرة فى فهم وإدارة سياسة العالم، أن تطور الموقف فى البحر الأحمر كان مفاجئًا لهم، فإنهم إما جهلة أو كاذبين، قولًا واحدًا.
قد يكون من المناسب استحضار صورة موجزة عن تلك الجماعة، التى ظن كثيرون أنها لا يمكن أن تشكل خطرًا حقيقيًّا إلا فى حدود شركائهم فى الوطن من اليمنيين الآخرين، ولكنهم تحولوا الآن إلى أحد أكثر مصادر الخطر لاستقرار المنطقة، وأحد أهم التهديدات لأمن وسلامة حركة التجارة فى العالم كله.
فالحوثيون هم أصحاب حركة سياسية انطلقت من محافظة «صعدة» شمالى اليمن، واكتسبت زخمًا وتأثيرًا فى الأوساط اليمنية بسبب خطاب مؤسِّسها، حسين الحوثى، المناوئ للولايات المتحدة الأمريكية وأطماعها فى المنطقة، وكذلك بسبب معارضتها للسياسات السعودية، ويطلق عليها جماعة الحوثى أو الحوثيين نسبة إلى مرشدها الروحى بدرالدين الحوثى، ومؤسسها ابنه حسين الحوثى، غير أن الجماعة تسمى نفسها «أنصار الله».
تحالف الحوثيون مع الوحدات العسكرية الموالية للرئيس اليمنى السابق، على عبدالله صالح، واستولوا فى 2014 على ميناء الحديدة على البحر الأحمر، والذى يمثِّل نقطة دخول حيوية للواردات والمساعدات الإنسانية إلى المدن الشمالية من البلاد، لكنهم منذ عام 2015 يسيطرون على إدارة الدولة فى اليمن، باعتبارهم إحدى أهم أدوات اللعب الإيرانية فى المنطقة.
بعدها، دخلت الجماعة فى حرب شرسة مع قوى عربية أعطت لنفسها اسم «التحالف العربى لدعم الشرعية فى اليمن»، واستمرت الحرب لمدة 8 سنوات، وتحديدًا حتى شهر إبريل 2023، عندما أكد عضو المكتب السياسى لجماعة أنصارالله الحوثية فى اليمن، محمد البخيتى، توصل الحوثيين إلى تفاهم مع السعودية لوقف الحرب اليمنية.
لقد وُلدت جماعة الحوثى بالقرب من البحر الأحمر، كانت ذات قوة محدودة، لكن بالدعم المستمر وبتغذية الصراعات فى المنطقة، صارت صاحبة اليد العليا على باب المندب، وبالتالى حركة المرور بقناة السويس.
ولكن، لماذا أصبحت هذه الجماعة ما أصبحت عليه الآن؟، فلهذا حديث آخر.