بقلم - عبد اللطيف المناوي
رغم التكاليف الأخلاقية والسياسية فإن الحكومة البريطانية كما قال رئيسها: «لن تعلى مصالح المهاجرين غير الشرعيين على حساب الشعب البريطانى الذى انتخبنا لخدمته»، كما يقول المدافعون عن قانون إبعاد المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون بريطانيا ثم إعادتهم إلى رواندا.
النتيجة الأساسية المتوقعة أن وتيرة الهجرة إلى بريطانيا، جنة المهاجرين سابقًا، سوف تنخفض بشكل كبير بعد أن تحولت إلى «مصيدة» تنتهى فيها مغامرات الهجرة بمخاطرها المميتة إلى إعادة من ينجو ويبقى على قيد الحياة إلى نقطة بداية قد تكون ظروفها أسوأ من النقطة التى بدأوا منها. هذا القانون سوف يغلق الحدود البريطانية بقرار طوعى من الذين كانوا يستهدفون الهجرة إلى بريطانيا.
أما الذين وصلوا بالفعل فإنهم يواجهون مصيرًا غير معلوم. ينتظرون خطابًا من وزارة الداخلية البريطانية، يتمنون ألا يصل إليهم، يخبرهم بأنه وقع عليهم الاختيار لمغادرة بريطانيا إلى رواندا وعليهم الاستعداد والانصياع.
ما حدث فى الإمبراطورية التى كانت الشمس لا تغيب عنها يومًا ما هو تدليل على التوجه العام لدى دول الغرب المستقبلة لأمواج الهجرة غير الشرعية، والترويع السائد هناك بأن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التى تواجهها هذه المجتمعات المتسبب الرئيسى فيها هى تلك الموجات من المهاجرين. ويزداد هذا الأساس والتوجه مع صعود اليمين، خاصة الجزء الذى يمتلك خطابًا شعبويًا.
لم تنجح المعارضة القوية للقانون فى وقف إصداره رغم كونه يعارض الميزة التى ظلت المملكة المتحدة تلتزم بها طيلة تاريخها، كما أنه يتعارض مع حقوق الإنسان باعتراف مسؤولين حكوميين بريطانيين.
لم تنجح أيضًا ما يزيد على 265 منظمة مجتمع مدنى وكيانات أخرى على مستوى بريطانيا فى إقناع البرلمان برفض القانون، رغم ما دفعت به هذه المنظمات من الأسباب التى ترى أن المشروع يؤسس لها، ومنها تقويض حماية حقوق الإنسان، والتجاوز على دور السلطة القضائية وسيادة القانون، إضافة إلى التعارض مع المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وأخيرًا تقويض النظام الدولى لحماية اللاجئين والقانون الدولى.
واتهمت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، حكومة ريشى سوناك، حفيد عائلة مهاجرة، بإسقاط الحق فى طلب الحماية، وعبرت عن قلقها البالغ إزاء القانون، وقالت إنه يرقى إلى مستوى حظر اللجوء، وهو ما يشكل حسب المفوضية انتهاكًا واضحًا لاتفاقية اللاجئين لعام 1951، ومن شأنه أن يقوض التقليد الإنسانى القديم الذى يفخر به الشعب البريطانى.
وتعتقد المفوضية أن الفارين من الحروب والاضطهاد لا يستطيعون الحصول على جوازات السفر والتأشيرات، وبالتالى لا توجد طرق آمنة وقانونية ليسلكوها، وحرمانهم من اللجوء على هذا الأساس يقوض الهدف الذى أُنشئت من أجله اتفاقية اللاجئين. واتهمت الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبى حكومة المملكة المتحدة بتصنيف اللاجئين وضحايا الاتجار بالبشر، بشكل خاطئ، بأنهم مجرمون.
أعيد الحديث حول هذا الموضوع لنستدعى معًا تاريخ مصر المشرف فى التعامل مع المهاجرين واللاجئين، والذى يجب أن يستمر مهما كانت الضغوط. بقاء مصر التى نعرفها لا يُقدر بثمن.