بقلم - عبد اللطيف المناوي
يتعلم الأطفال فى المدارس أن الله حبا مصر بموقع نادر بين قارتين، حيث يجرى فى شريانها نهر الحياة المسمى النيل، وتطل على بحرين لهما أهمية كبيرة؛ الأحمر والمتوسط.
وطوال التاريخ، كانت مصر بحكم موقعها الجغرافى المطل على هذين الحوضين المائيين مطمعًا للقوى الاستعمارية، لتتحول تلك النعمة فى بعض الأوقات إلى نقمة.
البحر المتوسط ليس مجرد حوض مياه تجرى أو تتلاطم أمواجه، ليس مجرد مد وجزر ورياح وتيارات وظواهر مناخية، ولكنه تاريخ واقتصاد وثقافة وتجارة وتحالفات وعداوات وحركات سياسية وحضارات، منذ الحضارة الفينيقية، التى عاشت وازدهرت على الشاطئ الشرقى للبحر المتوسط حتى الأمم المتوسطية الحالية.
وقد شهد حوض البحر الأبيض المتوسط ميلاد الحضارة التى أُقيمت فى عام 9000 قبل الميلاد فى أريحا، وظل تاريخه فى أغلب الأوقات تاريخ صراعات مستمرة. وقد كانت صراعات من أجل بسط النفوذ، خاصة على بعض الجزر مثل صقلية ومالطة وكريت وقبرص.
أما البحر الأحمر أو بحر القُلْزُم أو بحر الحبشة، الواقع بين إفريقيا وآسيا، فهو وسيلة الاتصال مع المحيط فى الجنوب من خلال مضيق باب المندب وخليج عدن.
فى القرن السادس قبل الميلاد، أرسل داريوس الأول، من بلاد فارس، بعثات الاستطلاع إلى البحر الأحمر، وقد حسّن ووسّع نطاق التنقل عن طريق تحديد أماكن الكثير من الصخور الخطرة والتيارات المائية. وقد أرسل الإسكندر الأكبر، فى أواخر القرن الرابع قبل الميلاد، رحلات يونانية بحرية إلى أسفل البحر الأحمر تجاه المحيط الهندى.
وكان البحر الأحمر المفضل للتجارة لدى الحضارة الرومانية مع الهند، عندما كانت الإمبراطورية الرومانية تسيطر على البحر المتوسط ومصر وشمال البحر الأحمر.
أدى البحران دوريهما فى الاتصالات بين الشعوب، وحالا دون وقوع اشتباكات بين الشعوب ذات المصالح المختلفة فيهما.
البحران يبدوان على الخريطة من البحار المغلقة، ولكنهما على العكس، مفتوحان على طرق النقل الرئيسية بين الشرق والغرب، وبسببهما أصبحت الملاحة البحرية طويلة المدى ممكنة، وبسببهما تطورت طرق التجارة الجديدة.
هما مصدر خير ورزق لكل المطلين عليهما، لكنهما فى الوقت ذاته مصدر قلق دائم، لقد حدثت وتحدث فى مياههما العديد من المعارك البحرية، ويذكر التاريخ لهما معارك كبرى، ومنها مثلًا معركة أبوقير، التى تواجه فيها الفرنسيون بقيادة نابليون مع الإنجليز بقيادة الأميرال نلسون على شواطئ البحر المتوسط، وكذا معركة شدوان بين القوات المصرية والإسرائيلية، والتى وقعت أثناء حرب الاستنزاف، وتحديدًا فى 22 يناير عام 1970، وأصبحت منذ ذلك التوقيت العيد القومى لمحافظة البحر الأحمر.
البحران الآن يشهدان توترات كبيرة وصراعات نفوذ، فإسرائيل لا تزال طامعة فى شطآن بعض المدن الفلسطينية، وتريد إحكام نفوذها على بعض سواحل البحر المتوسط، فى حين هناك معركة دائرة على إحكام السيطرة على البحر الأحمر، بين الحوثيين وقوات أمريكية وعالمية تريد تأمين حركة تجاراتها.
المعارك هنا وهنا سوف تستمر، والمهم ألّا نتضرر.