بقلم - عبد اللطيف المناوي
افتُتحت، الثلاثاء، فى جوهانسبرج، قمة مجموعة «بريكس»، التى تشكلت فى الأساس سنة 2009 من الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادى بالعالم، وهى آنذاك: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، لكن خلال رحلتها انضم إليها عدد من الدول، ما قد يشكل تحولًا استراتيجيًا فى الخريطة العالمية، يستهدف بالأساس تقليص الهيمنة الغربية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى على المشهد الاقتصادى العالمى.
وكما تحدثت فى مقال سابق عن «الدولار»، وهل يواجه أزمة حقيقية فى المستقبل بسبب الصعود الكبير لاقتصادات أخرى، أم أن القضاء على هيمنته أمر إن لم يكن مستحيلًا فهو غير منظور فى المستقبل القريب؟
أتحدث الآن عن مجموعة «بريكس» باعتبارها أحد العوامل التى يعتقد البعض أنها ستكون مؤثرة بقوة على قوة العملة الأمريكية، واستخدامها عالميًا، بل فى إعادة تشكيل الخريطة الاقتصادية.
الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، نفسه أوضح فى كلمته الافتتاحية بالقمة أن حصة «الدولار» فى تعاملات مجموعة «بريكس» تراجعت، وأن الحد من الاعتماد على العملة الأمريكية مستمر ولا تراجع عنه، ولكن فى نفس الوقت استبعدت الولايات المتحدة تحول المجموعة إلى منافس (جيوسياسي) لها أو لأى بلد آخر.
يمكن أن تكون مجموعة «بريكس» بداية لمحاولات التهديد للاقتصاد الأمريكى، خصوصًا مع الموافقة على انضمام عدد من الدول النفطية إلى التكتل، والذى سيدعم ولاشك القدرات الائتمانية له، وهى اقتصادات لها ثقلها ودورها المهم فى سلاسل إمداد الطاقة العالمية، ما قد يغيّر من أنماط الإنتاج ومواقع التصنيع والتجميع والتخزين والطلب على الموارد، الأمر الذى يعنى تغيرًا واضحًا فى نمط التجارة الدولية ككل. ولكن قد يكون الخيار الأفضل هو خلق كيانات تتكامل أو تتوازن لا أن تتناقض أو تحاول إزالة القائم.
وإن صحت الأقاويل، فإن دول مجموعة «بريكس» تطمح إلى إنشاء عملة مشتركة فى محاولة لتحدى الهيمنة الدولارية، لكن من غير المتوقع أن تؤتى العملة المشتركة ثمارها قريبًا.
أما الرهان الأمريكى، فقد صرح به بكل وضوح مستشار الأمن القومى بالبيت الأبيض، جيك سوليفان، وهو أن تكتل «بريكس» يضم مجموعة من الدول لديها اختلافات فى وجهات النظر بشأن بعض القضايا الحاسمة، وأن دولًا مثل الهند تعتبر فى الأساس حليفة وشريكة للولايات المتحدة، ولن تفرط بمكاسبها الاقتصادية لمصلحة الانحياز لطرف من دون الآخر، كما أنها لا ترغب فى تعزيز نفوذ «اليوان» الصينى، خاصة فى ظل التنافس التجارى بين الدولتين، والنزاع الحدودى فى جبال الهيمالايا.
ودولة أخرى كجنوب إفريقيا، هى الأخرى لن تفرّط فى علاقاتها التجارية المميزة مع الولايات المتحدة، خاصة أنها تعتبر ثانى أكبر شريك لها بعد الصين، حيث تجاوزت صادراتها للسوق الأمريكية 14 مليار دولار فى 2021 مستفيدة من اتفاق التجارة الحرة بين البلدين.
بالتأكيد قد نكون أمام تغيرات جذرية فى خريطة الاقتصاد العالمى، ربما يكون لها ضحاياها، وربما يكون لها مستفيدون، ولكن الأكيد أننا لابد أن نستعد لاستيعاب تلك التغيرات. ويظل مبدأ الربح لكل الأطراف هو الخيار العاقل.