بقلم - عبد اللطيف المناوي
تأتى القمة الروسية- الإفريقية، التى تنعقد اليوم فى العاصمة الإمبراطورية السابقة سان بطرسبرج، فى ظل منافسة شرسة تواجه روسيا الغريم الأمريكى والأوروبى. وعلى الطرف الآخر الحليف الصينى. الجميع يغازل إفريقيا. ولو أدرك القادة الأفارقة حقيقة أن العالم يمر بمرحلة اصطفاف جديد، ولو أجادوا إدارة علاقات دول القارة مع القوى العالمية المتنافسة ربما لتمكنوا من الخروج بأكبر قدر من الاستفادة للجميع. بما فيه لعب دور مؤثر فى تهدئة حالة الالتهاب التى يمر بها العالم. وهذا يتطلب من قادة الدول الفهم والتنسيق فى لعب الأدوار بينهم.
هناك فرصة للاستفادة من تحركات الروس، كما هناك فرصة لتحرك الآخرين. وقد يكون نجاح الأفارقة فى إجادة التحرك والاستفادة من الفرصة السانحة طريقًا للمساهمة فى وضع ملامح النظام العالمى الذى سيتشكل بعد أن يمر من عنق الأزمات الراهنة. ووقتها يكون الأفارقة عنصرًا فاعلًا مؤثرًا فى هذا النظام الجديد، وليس مفعولًا بهم كما اعتادوا أن يكونوا.
القمة الروسية- الإفريقية تحمل أجندة وتطلعات يسعى كل طرف للاستفادة منها وتحقيق العديد من الأهداف فى ظل تعقيدات وتقاطعات دولية وإقليمية. يمكن للقمة أن تُسهم فى تعزيز التعاون الروسى مع الدول الإفريقية فى مختلف الأبعاد سياسيًا وأمنيًا، والأهم اقتصاديًا فى هذه المرحلة. تريد موسكو تعزيز نفوذها فى القارة السمراء، ويهدف الأفارقة للارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى جديد من الشراكة المتوازنة، أو هكذا يتمنى العقلاء.
من متابعة التقارير المتاحة نجد أنه سبقت القمة- التى يسعى خلالها الطرفان إلى الخروج بأكبر قدر من التوافق فى الرؤى والأهداف- مجموعة من الزيارات والاتصالات المتبادلة على مستوى القادة والمسؤولين فى روسيا ودول إفريقية، من بينها الجولات الإفريقية المتعددة لوزير الخارجية الروسى، سيرجى لافروف. هناك علاقات تاريخية ممتدة تجمع موسكو منذ زمن الاتحاد السوفيتى والعديد من دول القارة السمراء، فضلًا عن مواقف عدة دول إفريقية إزاء الحرب فى أوكرانيا، والمساعى الأخيرة لدول القارة للوساطة من أجل إيجاد حل لإيقاف الحرب الدائرة فى أوكرانيا، والتى تدفع القارة السمراء فاتورة باهظة لها. قد يكون هذا أحد العوامل التى يمكن البناء عليها. وقد عملت بشكل لافت منذ ذلك الحين على مد أواصر العلاقة والتعاون على عدة محاور، من بينها دول القارة السمراء التى تمثل أهمية خاصة فى منظور السياسة الخارجية الروسية الجديدة، والتى تتضمن العودة بقوة إلى تلك المنطقة الزاخرة بالفرص، والبناء على ما تحقق عمليًا على أرض الواقع، وبالنظر إلى نشاط الشركات الروسية هناك. وتمثل الدول الإفريقية سوقًا محتملة للسلع الروسية، وفرصة لتوسيع النفوذ الاقتصادى والتجارى لها، إضافة إلى ذلك تسعى موسكو لتعزيز حضورها الجيوسياسى فى القارة، وزيادة تأثيرها السياسى والعسكرى.
قال لى أحد المرافقين الروس: «لننتظر ونرى ماذا سيقدم بوتين غدًا لإفريقيا». وابتسم مضيفًا بإعجاب واضح: «هو يحب المفاجآت». وأنا أظن أن الأفارقة لا يجب أن ينتظروا «المفاجآت»، بل عليهم أن يصنعوا واقعهم بأنفسهم مستغلين قدرهم وقدرتهم لخلق مكان تستحقه شعوب القارة فى العالم الجديد.