بقلم - عبد اللطيف المناوي
فى كل مرة أشاهد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أشعر بأنه شخص مختلف، يمثل تيارا للمعارضة فى داخل هيئة الأمم المتحدة، ينحاز دائما للطرف الأضعف والمظلوم. فى إحدى حفلات العشاء التى حضرتها كان هو المتحدث الرئيسى وصادف أن كنت على نفس طاولته. وتأكد لدى الإحساس الذى ذكرته بأنه يبدو معارضًا يقود المؤسسة الأممية الأكبر.
لقد وقف الرجل منذ أيام بالقرب من معبر رفح، وسمع بأذنيه أصوات القصف المجنون للطائرات الإسرائيلية، فلا تفرق قذائفها بين رجل وامرأة، ولا بين طفل وعجوز، ولا حمساوى أو فتحاوى أو مواطن مل من التحزب. سمع بأذن ليست بالطبع كأذن رؤساء أهم دول العالم صرخات الأمهات الثكلى، والآباء المتألمين من فقد أبنائهم وذويهم.
سمع بأذن عاقلة مؤمنة بأن ما ترتكبه إسرائيل لا يرقى فقط لجرائم الحرب، ولكن لإبادة شعب بأكمله. وقف الرجل أمام المعبر ليؤكد للعالم كله أن ما يفصله عن واحدة من أبشع مآسى ومجازر العصر الحديث مجرد أمتار قليلة، مخاطبا ما تبقى من ضمير العالم بأن يسعى - كل فى مكانه- إلى إنهاء العدوان الغادر على غزة.
منذ يومين دعا الرجل أيضًا إلى ما سماه «وقف إطلاق نار إنسانيًا» فى قطاع غزة، وقال إن هجمات المقاومة الفلسطينية لا تبرر لإسرائيل القتل الجماعى الذى يشهده القطاع.
جوتيريش أكد، فى تصريح نادر، أن هناك انتهاكات واضحة للقانون الإنسانى الدولى فى غزة، مشددا على أن أى طرف فى أى نزاع مسلح ليس فوق القانون الإنسانى الدولى، وأن المساعدات التى دخلت غزة حتى تاريخه هى مجرد قطرة فى محيط الحاجات التى يحتاجها القطاع.
أرى أن موقف الأمين العام للأمم المتحدة يستحق الإشادة والتحية، ويمثل ضوءا فى نفق مظلم من حالة لا إنسانية يعيشها العالم حاليا، حتى لو افترضنا سيطرة البروباجندا الصهيونية على عقول متخذى القرار، إلا أن ما نشاهده يوميا من مجازر يستحق التوقف الإنسانى على الأقل.
وكان من الطبيعى أن يُقابل موقف جوتيريش بهجوم إسرائيلى عارم، وصل إلى حد طلب استقالته، لا سيما بعد مطالبته بإنهاء ٥٦ عاما من الاحتلال الخانق، حسب تعبيره فى جلسة هيئة الأمم المتحدة التى دعا لها. وقد أثارت هذه التصريحات حفيظة وزير الخارجية الإسرائيلى إيلى كوهين الذى خاطب الأمين العام بحدّة، مؤكدا أنه - أى جوتيريش- ليس مؤهلاً لقيادة الأمم المتحدة، بل ودعاه إلى الاستقالة فورا، بل ووجه كوهين كلامه لجوتيريش قائلا: «سيدى الأمين العام، فى أى عالم تعيش؟».
وبمناسبة جملة كوهين، وهو اسم مرتبط لدينا كمصريين بشخصية الماكر قالب الحقائق، مثل شايلوك فى «تاجر البندقية»، أود أن أوجه له نفس السؤال «فى أى عالم تعيش أنت يا كوهين؟».