بقلم - عبد اللطيف المناوي
استقال وزير النقل هشام عرفات، ووافق عليها رئيس الوزراء مصطفى مدبولى سريعاً، وبعد ساعات قليلة من حادث محطة مصر. استقال الرجل قبل ظهور نتائج التحقيقات، وحتى قبل صدور حصيلة نهائية لأعداد الضحايا. استقال قبل أن يعود إلى مكتبه ويلملم أغراضه، وينصح خلفه بحلول لمعالجة المشكلات، إن كانت لديه حلول، وإن كان يعلم بالمشكلات!.
استقال عرفات استقالة سياسية تهدئ الجميع، تهدئ من هم فى السلطة، ومن هم فى الوزارة، ومن هم فى الشوارع وأمام شاشات الفضائيات، ومواقع التواصل الاجتماعى. استقال ليكف الكثيرون عن تحميله سبب الكارثة. استقال والمشكلات مازالت مستمرة وسارية.
دخل جرار القطار إلى المحطة، وانشغل سائقه بعراك مع أحدهم- هكذا قالوا- فانفجر خزان الوقود، ليخلف قتلى ومصابين فى كل مكان. الصورة بشعة، والأبشع أننا ننتظر كارثة كل فترة تدمينا وتجعلنا نرفع الرايات السوداء ونعلن الحداد، لننتظر كارثة أخرى، فنرفع من جديد رايات الحداد، وهكذا نعيش فى ظل عدم الاقتراب من المشكلات الرئيسية.
ألم يعرف المسؤولون أن سكك حديد مصر تتصدر ترتيب حوادث القطارات فى العالم؟، ألا يعرفون أن الحوادث متكررة إلى حد التطابق؟، هل يدركون أن إجاباتهم عن سؤال «من المتسبب» واحدة؟. إن المسؤولين عن قطاع النقل بشكل عام، وقطاع هيئة السكة الحديد بشكل خاص، يهملون ملف إصلاح السكة الحديد لعدم الاستطاعة، ويغضون الطرف عن عدم تطبيق اشتراطات الأمن والسلامة بكل القطاعات بحكم العادة.
كل المشكلات تتعلق بإحلال وتجديد عناصر البنية التحتية فى القطاع الحيوى الذى ينقل ملايين المصريين داخل الجمهورية سنويا. من بين المشكلات مثلا ضرورة استبدال جرارات جديدة بالجرارات التى انتهى عمرها الافتراضى، وتفعيل نظام الأمان بجهاز وتحديث أجهزة الإشارة، وتطبيق اشتراطات السلامة فى صيانة القضبان، ومراعاة تدبيش السكك بأحجار صغيرة ولحام القضبان بمواد مطابقة للمواصفات وتوفير قطع الغيار، وتنفيذ الصيانة وفقاً للمواصفات القياسية، بالإضافة إلى حل مشكلة الرواتب التى يعانى منها الجميع.
من بين المشكلات أيضا العنصر البشرى وضرورة تطويره فنيا وفكريا، وفق أساليب علمية متقدمة حديثة. فالعنصر البشرى هو أخطر العناصر فى المنظومة، فهو السائق وهو المحول وهو المدير وهو المشغل، وبين يديه أرواح الملايين.
المشكلات فى قطاع السكك الحديدية مثال للمشكلات الموجودة فى قطاعات كثيرة فى مصر، تحتاج كلها لحلول، ولإرادة سياسية من أجل التغيير. ولكن للأسف الحلول غائبة ومصائر المواطنين صارت أسيرة للصدفة، فعديد من المصريين يحيون بالصدفة ويموتون بالصدفة، وبين صدفة وصدفة قصص طويلة من الإهمال.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع