بقلم - عبد اللطيف المناوي
لا أدعى الخبرة فى العلم ولكن أستطيع أن أدعيها فى معرفة قيمة البشر وتأثيرهم فى محيطهم. اكتشاف شخص جديد يحمل قيمة إنسانية كبيرة هو مكسب لا يقدر. وهذه المكاسب باتت نادرة. قادتنى الصدفة لمعرفة أحد هذه النماذج عن قرب، عالمة إماراتية فى مجال الجينات. استمعت إليها وهى تتحدث ببساطة وعمق فى آن واحد عن الجينات وقدرة الإنسان أن يعيد برمجة جيناته عن طريق التحكم فى نمط الحياة الصحى، وغير ذلك من المواضيع المثيرة للاهتمام. دكتورة مريم محمد فاطمة مطر، هذا هو اسمها كما تحب أن يكون، هى مؤسسة ورئيسة جمعية الأمراض الجينية ومركز الشيخ زايد للأبحاث الجينية. عالمة عالمية فى مجالها، وشبكة علاقات دولية ممتدة لم أعرف مثلها. كل مرة التقيتها كانت تعرفنى على عالم مرموق أو حاصل على نوبل يكون مشاركا أو مطلعا على نشاط علمى أو إنسانى لها. لديها قدرة إدارة بها مزيج من الهدوء واللطف والحسم والقوة واتخاذ القرار وروح الفريق.
نقطة التحول فى حياة الدكتورة مريم كانت فى الحادية عشرة حينما توفيت جدتها، وكانت تعمل بالطب الشعبى، وقتها شاهدت كيف توافد الكثير من الناس للعزاء، لم يكونوا من الأقارب أو من نفس القبيلة، لكنهم مرضى عالجتهم الجدة فحفظوا لها الجميل وحزنوا على رحيلها. وقتها قررت أن تترك أثرا فى حياة الناس؛ تريد إنقاذ الأرواح وأن تكون محبوبة مثل جدتها.
حصلت على الدكتوراه من اليابان فى مجال اضطرابات الجينات، ثم دورات فى الولايات المتحدة حول الاضطرابات المتنحية. وهى أول إماراتية تتولى مهام وكيل وزارة الصحة العامة والرعاية، وكان عمرها 28 عاما.
الأسبوع الماضى شهدت دبى أعمال المؤتمر الدولى للقمة الـ 26 للكيمياء السريرية والمخبرية، يقام لأول مرة فى المنطقة منذ 70 عاماً بمشاركة ممثلين عن 116 دولة و3200 مختص حول العالم ورؤساء 62 منظمة بحثية ودولية. وتزامن مع مرر 20 عاماً على تأسيس جمعية الإمارات للأمراض الجينية التى أسستها دكتورة مريم، والتى نجحت فى عقد المؤتمر فى بلدها، ونجحت نجاحاً ملحوظاً مع فريقها فى تنظيم هذا المؤتمر.
أما لماذا تعرف نفسها فى المحافل المختلفة بـ «مريم محمد فاطمة مطر»، فاطمة هو اسم والدتها، فتجيب بقولها «هذا نوع من إجلالى وتقديرى لوالدتى الغالية، فعندما تعمقت فى دراسة الجينات اكتشفت حقائق علمية تؤكد أن الأم فقط هى من تهبنا جهاز الطاقة الوحيد والمهم لحيوية الخلية (المايتوكونداريا) بالإضافة إلى 2000 صفة وراثية إضافية من أمهاتنا، وأعتبره مجرد عربون بسيط لمحبتى لوالدتى».
بدأت دكتورة مريم مشروعا للتعاون الجاد والمهم، اطلعت على بعض منه، مع جامعة عين شمس حول الجينوم المرجعى للمصريين وقدماء المصريين، ولم يكتمل بعد. ليته يجد دفعة جديدة مع عالمة تعشق علمها وناسها وأمها ومصر.