بقلم - عبد اللطيف المناوي
لم أكن فى يوم من الأيام من الذين يصدقون شعارات رمى إسرائيل فى البحر، كما لم أكن من الذين أعطوا صك الغفران لما فعلته حماس فى السابع من أكتوبر، ورأيى أنهم فتحوا الباب لإسرائيل حتى ترتكب ما ترتكبه يوميا من مجازر ومذابح بحق مدنيين لا ذنب لهم.
لكن أحاول جاهدا قراءة المشهد من كل أبعاده، مفضلا قراءة ما تيسر مما يكتبه المراقبون والخبراء فى العالم حول الأزمة، ورأيى الحقيقى بعيدا عما ذكرت أن إسرائيل تواجه أزمة حقيقية. أزمة سياسية قبل أن تكون أزمة وجود. ودعونا نستعرض ملامح تلك الأزمة، وهل هناك فرصة لاستغلالها لتحقيق مكاسب واقعية وحقيقية للشعب الفلسطينى؟
هناك تحديات تواجه نتنياهو، أو حتى من سيأتى بعده، التحدى الأول هو تراجع الشرعية الدولية، لأن ما نتج عن حرب غزة من دمار وخسائر بشرية، أجبر المجتمع الدولى على اتخاذ مواقف ساهمت - ولو بقدر - فى عزلة إسرائيل.
إذ لم يعد لإسرائيل نفس الدعم الذى كانت تتمتع به سابقًا، حيث تلاشت تدريجيا الصورة التى حاولت تصديرها للعالم كدولة تدافع عن نفسها، حتى إن الحلفاء التقليديين، بما فيهم الولايات المتحدة، باتوا أكثر ترددًا فى تقديم دعم غير مشروط.
التحدى الآخر هو أن الجيش الإسرائيلى بات يعانى من الإنهاك بعد أشهر طويلة من القتال المستمر فى غزة، وهو ما يؤثر على كفاءته.
التقارير التى اطلعت عليها فى الصحف الإسرائيلية تؤكد انخفاض أداء الوحدات النظامية، وزيادة الإحباط بين الجنود بسبب غياب الأهداف الواضحة فى الحرب التى دخلت شهرها التاسع، فضلا عن الجبهات المفتوحة الأخرى، والتى تتصدرها الجبهة الشمالية، فى ظل توترات مستمرة مع حزب الله.
وهنا يبدو الجيش الإسرائيلى عالقا فى موقف لا يحسد عليه، حيث إنه خرج من فترة عدم الاستعداد للحرب لحرب يبدو أنها واسعة النطاق.
بالتأكيد هذان التحديان، يضافان إلى التحدى الثالث المهم، وهو التوترات الداخلية، حيث بات واضحا أن الحكومة الإسرائيلية تعانى من انقسامات حادة، حيث يتنافس أعضاء اليمين المتطرف على التصريحات والتحريض، مما يزيد من الضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
هذه الانقسامات تتفاقم مع الاستقالات والتهديدات بالاستقالات المحتملة، لا سيما مع اتهامات واضحة لنتنياهو فى إدارة الحرب، والفشل فى تحقيق تقدم ملموس فى محادثات صفقة الرهائن مع حماس.
إسرائيل أضاعت فرصة للتوصل إلى اتفاق هدنة أو إنهاء الحرب فى وجود وسطاء وأطراف دولية، ولهذا على نتنياهو أن يتحمل نتيجة إضاعته لتلك الفرصة التى كان من الممكن أن تجعله فى موضع قوة أمام التحديات الثلاثة التى ذكرتها سابقا.
إسرائيل تواجه تحديات داخلية وخارجية متزايدة تجعل من الصعب تحقيق الاستقرار. وتجعل من الضرورى اتخاذ خطوات جريئة للخروج من هذه الأزمات المتداخلة. وعلى الطرف الآخر لابد من استغلال عربى للحالة التى أصبحت عليها إسرائيل، لتحقيق أكبر مكاسب للشعب الفلسطينى، وهذا لن يحدث إلا بتفكير مركز ولقاءات مستمرة بين القادة أو من ينوبهم لاقتناص فرصة ربما لن تتكرر فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى.