بقلم - عبد اللطيف المناوي
مر نحو 100 يوم على بدء الحرب الروسية- الأوكرانية. الحرب التى جرّت العالم كله إلى أتون عبث فى المواقف وفى الانحيازات وفى التوجهات. الجانبان- روسيا وأوكرانيا- يتحدثان عن نجاحات لأنفسهم وتقدُّم فى الميدان، بل هزائم نكراء للأطراف الأخرى، بعضها عسكرى وأغلبها اقتصادى، ولكن الواقع أن المهزوم الأكبر فى هذه المعارك هو الحقيقة، التى لا تزال غائبة.
قلنا بعد مرور نحو أسبوع واحد من اندلاع الحرب، إن العالم لا يعرف حقيقة ما يحدث فى هذه البقعة من الكرة الأرضية. وكالات الأنباء ونشرات الأخبار وحسابات السوشيال ميديا للمسؤولين من الجانبين تتحدث عن انتصار المتكلم، أو شكواه من نازية وجرائم الطرف الآخر، ولم نكن نتصور أنه بعد 100 يوم من اندلاع الحرب أن الوضع سيكون كما هو. فلا تستطيع بأريحية أن تقول إن هناك طرفًا فائزًا بحسم وهناك طرف خاسر. لا تستطيع أن تتبنى قضية طرف على الآخر، الأزمة أن الكل خاسر ولا رابح، وأول الضحايا هى الحقيقة أيضًا.
الكرملين أمس اعتبر أنه حقق بعضًا من أهدافه بعد الـ100 يوم على بدء الغزو الروسى لأوكرانيا، منها تحرير العديد من القرى؛ ما سمح للسكان بالعودة إلى حياة هادئة، بينما يدعو حلف شمال الأطلسى (الناتو) لحرب استنزاف طويلة فى أوكرانيا، هدفها هزيمة الروس، فى حين تؤكد الأمم المتحدة، على لسان مساعد أمينها العام والمنسق لشؤون أوكرانيا أمين عوض، أنه لا يوجد منتصر، بل لن يكون هناك أى طرف منتصر فى هذه الحرب، وأن ما تمت خسارته حياة أشخاص ومنازل ووظائف وفرص.
ما يحدث بين روسيا والغرب لا شك سيكون له تداعياته الكبيرة على الجانبين، فهناك تبدل غير مسبوق فى أولويات أوروبا، وقلبت موازينها ليس فقط لجهة البحث عن مصادر جديدة للطاقة، بل فى مجال «عسكرة» الاتحاد الأوروبى، نرى أيضًا التقلبات غير المسبوقة فى سوق الأموال، والتى كانت تصعد وتهبط بالروبل مرة والدولار مرة إلى مستويات غير متوقعة.
مع مرور 100 يوم، تتضح معالم التغيرات التى فرضتها المواجهة على الساحة الدولية، والأطراف المنخرطة فى الصراع بشكل مباشر أو غير مباشر، وكلٌّ يغنى على ليلاه، وكل سيتحمل نتيجة الانحياز لطرف على حساب الآخر، لندور فى الدائرة المفرغة التى لا آخر لها فيما يبدو.
مر 100 يوم، وربما يمر 100 يوم أخرى، وسنقول ما نقوله اليوم، وسيبقى الموقف كما هو عليه، فلا أفق لطرف فائز بل أطراف كلها خاسرة.