بقلم - عبد اللطيف المناوي
بمناسبة مرور 20 سنة على غزو القوات الأمريكية للعراق، الذى كان أحد تداعياته ارتكاب فظائع فى سجن «أبو غريب» بحق مسجونين عراقيين، نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية تقريرًا ذكّرت فيه الناس باعتذار الرئيس الأمريكى آنذاك، جورج بوش الابن، عن تلك الممارسات التى اتبعها جنوده فى السجن، بل وذكّرت الصحيفة الناس أيضًا بتقرير «اللجنة الدولية للصليب الأحمر»، التى أوضحت أن ضباطًا فى المخابرات العسكرية الأمريكية قدروا أن نسبةً تتراوح بين 70 إلى 90% من الرجال والنساء والأطفال الذين اعتقلهم الجيش الأمريكى فى العراق سنة 2003، أخذوا عن طريق الخطأ!.
وأعاد التقرير إلى الأذهان كذلك صورًا بالغة الصعوبة، ولو كانت فى زمن «السوشيال ميديا» لأحدثت ضجة أكثر من ذلك آلاف المرات، أذكر منها مثلًا صورة السجين العراقى الذى تعرض لأشد أنواع التعذيب على يد جنود أمريكيين، بتوصيل جسده بأسلاك الكهرباء، وهو معصوب العينين، وصور أخرى لتكديس أكثر من سجين وتقديمهم عراة من قبل الجنود الأمريكيين.
تلك الصور وغيرها مما تسرب من معتقل «جوانتنامو» فى كوبا، هى إرث إدارات أمريكية متعاقبة، أظهرت دولة بحجم أمريكا على أنها دولة تعصف تمامًا بحقوق الإنسان، وتستخدم فى السجون أبشع أنواع التعذيب بحق مواطنين مدانين بالقانون الوضعى، وليس قانون القسوة والعنف.
لم يكن «أبو غريب» هو السجن الوحيد الذى شهد تعرّض المسجونين العراقيين لفظائع وانتهاكات على يد جنود الغزو الأمريكى، وإنما اكتسب «أبو غريب» شهرته من تلك التسريبات التى دعمتها شهادات المعتقلين السابقين فى السجن، والتى عكست الرعب الذى تعرضوا له، وطرق الاستجواب الوحشية التى اتبعت، وكأن السجناء فيها أقل درجات فى الإنسانية.
الغريب وبعد اعتراف إدارة بوش، ومن تبعوه من إدارات سكنت البيت الأبيض وصبغته باتجاهاتها السياسية والحزبية، وكذلك بعد إيضاحات منظمات أخرى كـ«الصليب الأحمر» وغيره من المؤسسات الأممية، أن أمرين لم يتغيرا؛ الأول هو نظرة حقوق الإنسان فى أمريكا، والتى دائمًا ما يكون لها وجه ظاهر يدعى المحافظة على حقوق الناس، بينما تستمر سلسلة الحوادث العنصرية البشعة على أراضيها، وحادث قتل «جورج فلويد» حلقة فى هذه السلسلة، أما الأمر الآخر فهو ضبابية حصول الضحايا على تعويضات نتيجة للجرم الأمريكى، وهو ما ذكّرت به «الجارديان»، بناء على تقارير مؤسسات حقوقية عالمية. فلا يوجد حتى الآن مسار واضح يسلكه المطالبون بحقوقهم من هؤلاء الضحايا العراقيين أو أهاليهم.
تلك المماطلة- أو بالأحرى عدم الوضوح- فى مسألة التعويضات تشككنا فى نوايا الاعتذارات فى الأساس، ربما رضخ بوش الابن لضغوط دولية وعالمية للاعتذار، وربما رضخت مؤسساته لصورة مزيفة رسمها البعض عن أمريكا، بينما فى الواقع وفى الضمائر ما يعكس رغبة أخرى فى الإخضاع، إخضاع أى آخر بقوة الذراع وليس بقوة القانون.