بقلم - عبد اللطيف المناوي
كما ذكرت بالأمس، أن ينجح مسؤول فى حشد عشرات السفراء الأجانب فى زيارات إلى معالم مصرية مهمة «سيوة، الخارجة، سانت كاترين، الأقصر، أبوسمبل»، فى ستة أسابيع، فإن ذلك يُعد مجهوداً حقيقياً لوزير الآثار وفريقه الصغير، لكنه يقف كعزف منفرد، وفى أحسن الأحوال «دويتو»، ولا يكتمل الأداء لسيمفونية متكاملة.
وزارة السياحة هى مَن يتكامل مع «الآثار»، وكانت لدىَّ الفرصة أن أجلس مع دكتورة رانيا المشاط، الوزيرة، فى جلسة ضمت مجموعة صغيرة، استعرضت فيها كشف حساب عمرها فى الوزارة، البالغ وقتها 11 شهراً، واستعرضت فيها الاستراتيجية الجديدة لصناعة السياحة فى مصر. ألَمّت «المشاط» بالأبعاد المختلفة للمعاناة التى تعانيها مصر فى السياحة، ويبدو أنها نجحت فى أن تثبت أنها قادرة على استيعاب المهمة التى حملتها رغم أنها ليست فى إطار تخصصها كخبيرة فى المجال الاقتصادى والمصرفى. ما طرحته أمامنا يتجاوز العيب الخطير، ميزنا فى إدارة شؤوننا، فقد بدا أنها تضع رؤية علمية وخططاً تُعلى قدر الفهم والدراسة وطبيعة الواقع، ولا تعتمد على الفهلوة وسد الفراغات ومخاصمة الأسلوب العلمى. أيضاً أدركت الوزيرة أن صناعة السياحة تعتمد بشكل شبه مطلق على القطاع الخاص، وهذا يعنى أن تقوم الدولة بدور المنظم والمشجع للقطاع الخاص لا بدور المنافس أو الساعى للاحتكار. هذا الإدراك لأهمية القطاع الخاص هو أحد ملامح ما تطرحه الوزيرة من أفكار. ورغم أنها استعانت بشركة تمتلكها الآن الدولة، «كانت قطاعاً خاصاً»، فى الترويج السياحى، فإن أسباب الاختيار كانت مقنعة جداً لتجاوز العقبات والقيود البيروقراطية التى تكبل العمل السياحى، الذى يحكمه قانون عمره اقترب من نصف قرن.
ملامح استراتيجية وخطة النهوض بالسياحة بشكل علمى تبدو مقنعة عند الطرح، ويبدو أن واضعيها اعتمدوا مفاهيم علمية تضمن النجاح حال الالتزام بها وقت التنفيذ، هنا مكمن التساؤل والقلق. التنفيذ ليس مسؤولية «السياحة» وحدها، ولن يتغير الوضع كثيراً لو تعاونت معها «الآثار» كما يحدث حالياً، الخطة تبدأ من مناهج التدريس فى المدارس الابتدائية، وتصل إلى تعاون وتنسيق تام مع «الداخلية» و«النقل» و«الطيران» و«الصحة» والهيئات الحكومية العديدة التى تتقاطع مع صناعة السياحة. هذا الأمر يعنى ببساطة أن كل هذه الجهات مطلوب منها أن تعمل تحت قواعد واحدة حاكمة لصناعة السياحة، تتكامل فيها كل جهات الدولة، لا تتنازع أو تتصارع، وفى بعض الأحيان تتشفى فى خطأ تقع فيه جهة أخرى.
تمتلك «المشاط» عقلية علمية اقتصادية منظمة، يبدو أن تربيتها وتعليمها فى المؤسسات الاقتصادية الدولية قد جعلاها تؤمن بالعمل المؤسَّسى، وذلك ممزوج برغبة حقيقية فى النجاح. كل ذلك أمر مبهج، ولكنه، أيضاً، يظل عزفاً منفرداً لن يُكتب له أن يكتمل ما لم تتجانس وتتطور أدوات العزف الأخرى فى إطار «نوتة» موسيقية واحدة. بدونها سيبدو العزف المنفرد جزءاً من نشاز كبير مهما كان جميلاً ومتفرداً. وغداً نموذج آخر.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع