بقلم - عبد اللطيف المناوي
جولة قصيرة على مواقع السوشيال ميديا وعلى بعض المواقع الإلكترونية تشعرك أنك فى غربة، ليست غربة مكانية بكل تأكيد، ولكنها غربة إنسانية وضميرية. أخبار عن حوادث قتل عجيبة ومريبة، والأسباب عادية وأكثر من عادية، رجل يلقى بزوجته من البلكونة لأنها لم تحضّر له طعام الإفطار. شباب يتسببون فى مقتل رجل لأنهم قرروا أن يمازحوه، وحوادث على نفس المنوال يضيق بها القول.
تجار يستغلون القرارات الاقتصادية المصيرية الأخيرة ليمارسوا جشعهم على الناس، دون معرفة من الحكومة، ودون عقاب. هم يطلقون عليها «شطارة» أو «نصاحة»، والحق أن ما يفعلونه هو «استغلال» و«خيانة» للعيش والملح الذى أكله أبناء هذا الشعب الواحد مع بعضهم البعض، فى تغير واضح للمفاهيم.
شباب يسخرون من أى شىء وكل شىء، يحوّلون أى قضية أو أزمة مهما كانت تراجيدية إلى مسرحيات ضاحكة، يضحكون عليها، ويضحك من هم على شاكلتهم، دون أى اعتبار للأزمة أو مساهمة فى تقديم حلول لها، وكأن ما لا يطولهم اليوم لن يطولهم طول العمر، وهو أمر ينمّ عن سوء تقدير وفهم لطبائع الأشياء، يفعلون ذلك تحت اسم «الضحك»، ولكنه «ضحك كالبكاء».
ينفخ البعض فى كير أى فتنة، يشعلونها، ويحرصون على عدم إخمادها سواء بالتهدئة المؤقتة أو طرح آراء وأفكار لوأدها. هم يستغلون أى سقطة صغيرة ليجعلوها من أكبر الكبائر، ويحمِّلوها ما لا طاقة لها به، والاسم «حرص على المصلحة» وهى فى الحقيقة «إشعال حرائق» فى جسد الوطن.
ما حدث ويحدث فى ضمائرنا وروحنا كبير للغاية. الشروخ تمزق بناء الإنسان المصرى بحضارته الكبرى الضاربة فى جذور التاريخ. تصدعات فى كل مكان، وأزمات تعرقل مسيرة تنمية العقل المصرى. ما يحدث على صفحات الحوادث وعبر منصات التواصل الاجتماعى يشير إلى أننا فى أزمة ضمير ووعى كبرى، لن ينصلح حالها إلا بوقفة مع النفس، ومع المؤسسات المعنية بالتفكير والتعليم.
فما يحدث داخل الأسرة يحتاج إلى بحوث اجتماعية عديدة لبيان أسباب كثير من الظواهر الدخيلة على الإنسان المصرى وعلى تربيته وقيمه التى تعود عليها طوال حياته. ما يحدث فى المجتمع لا بد له من دراسة مستفيضة للوصول إلى نتائج تعلن للرأى العام، وتواجه بكل شفافية، فالقيم الأصيلة على وشك الانهيار، والعقل المصرى وقع فى أسر كل ما هو عنيف أو ساخر أو مشعل حرائق، فى تغير تراجيدى للمفاهيم.