بقلم-د. عزة رضوان صدقى
فى هذا الوقت بالتقريب من 2017 أصدرت كندا طابعا بريديا تكريما لعيد الفطر وعيد الأضحي. سمات الطابع عربية وتتوسطه عبارة عيد مبارك، ويصحب الشرح التالى الكتيب الصغير الذى يشتمل على عشرة طوابع بالغة الانجليزية: «يعد العيدان الفطر والأضحى أهم عيدين لدى مسلمى العالم. عيد الفطر يأتى بعد انتهاء صوم رمضان، وعيد الأضحى يحتفل باستعداد سيدنا إبراهيم للتضحية بابنه اسماعيل مطيعا لأوامر الله، وأيضا احتفالا بقدوم موسم الحج الى مكة. كلٌ من العيدين يتضمن صلوات خاصة وأكلات مميزة، ويتبادل المسلمون فيهما الهدايا ويكثرون من اعمال الخير. للبعض يمثل هذا الطابع علامة رمزية فقط لا غير ولكن للمسلمين الكنديين والمجتمع الكندى بكامله هو إثبات للوفاق وتقبل التعددية الثقافية وقبول مختلف الأديان والجنسيات.
أكثر من مليون مسلم ومسلمة يعيشون فى كندا يمثلون نحو 3٫2 فى المائة من السكان ويكوِّنون ثانى أكبر جالية دينية بعد المسيحية. يوجد نحو 90 مسجدا فى كندا معظمها يتمركز فى المناطق المكتظة بالسكان. وبما أن الميثاق الكندى يحترم حرية الأديان والاعتناق والتجمعات السلمية فإن المسلمين الكنديين يمارسون دينهم وطقوسه بحرية تامة. بينما يقوم بعض ممن يدعون أنهم يعتنقون الإسلام بسلسلة من الأعمال الإرهابية فى العالم يجب التساؤل عن المعاملة الذى يقابلها المسلم فى كندا، وإذا ما كانت جرائم الكره والغضب التى تحدث كردود فعل بعد الأعمال الإرهابية تعرضهم للخطر والمطاولة. حالة إرهابية وحيدة حدثت فى 2014 عندما اقتحم كندى من أصل ليبى البرلمان الكندى وأطلق النار جزافا وتسبب فى وفاة جندى ومع ذلك لم يتبع هذه الجريمة أى جرائم انتقامية.
إن الحجاب يبقى أكثر سمات الإسلام وضوحا لذلك يجب أن نتساءل كيف تعامل المحجبات فى المجتمع الكندي؟ فى العموم تتعامل المحجبة مثلها مثل أى سيدة غير محجبة. الطالبات السعوديات يرتدين الحجاب فى الجامعات الكندية ولا يصادفن أى تمييز أو تحرش. لقد درست بعضهن وكنت سعيدة بأسلوبهن وتعاملهن مع الآخرين وتجاوب الطلبة والطالبات الكنديين معهن كما هو الحال للطالبات الإيرانيات والأفغانيات المحجبات وغير المحجبات. والبائعات فى المتاجر يرتدين الحجاب دون أن يلفتن الأنظار.
فى مدينة فانكوفر بغرب كندا اللاجئات السوريات أنشأن جماعة طيبة، وهى قاعدة طعام سوري، تقدم أمسيات يحضرها الكنديون وتشارك فى المنتديات ولديها عربة طعام تقف فى وسط المدينة ليعددن أشهى الأكلات السورية. هؤلاء السيدات جميعهن يرتدين الحجاب ويتقبلهن المجتمع بقلب رحب متمنيا لهن التوفيق.
ولكن هناك حالة أثارت الجدل فى الأوساط الكندية، ففى محافظة كيبيك رفضت قاضية النظر فى قضية سيدة مسلمة إلا ولو خلعت الحجاب. القاضية آنذاك قارنت بين الحجاب والقبعة أو النظارة الشمسية اللتين ترفضهما أيضا. آنذاك أدان الكنديون والمسئولون منهم تعليق وأسلوب القاضية فى التعامل مع قضية هذه السيدة حيث إن ذلك لا يمت للقانون المدنى الكندى بصلة. أما النقاب فهو شيء مختلف تماما. كثير من الكنديين ينظرون إليه على أنه انتهاك لحقوق المرأة ويشعرون بقلق عندما يرون سيدة تغطى وجهها، ولكن نظر القضاء إلى النقاب على أنه حق إذا أرادت المسلمة ارتداءه، فقد حدث أن مُنعت سيدة مسلمة من أصل باكستانى من حلف اليمين عند الحصول على الجنسية الكندية فى أثناء ارتدائها النقاب ولكنها أوصلت قضيتها إلى القضاء وحكم لها بأحقيتها فى حلف اليمين وهى مرتدية النقاب.
معظم جامعات كندا توفر مكانا للصلاة داخل أروقتها. فى محافظة أونتاريو مثلا يقيم الطلبة المسلمون صلاة الجمعة بالمدارس إلا أن البعض أبغضوا هذا التجمع مقتنعين بأن صلاة الجمعة غير مناسبة فى المدارس العلمانية الكندية، لكن قررت محافظة أونتاريو أن من حق الطلبة المسلمين الاستمرار فى الصلاة جماعة فى المدارس وأن هذا يتبع الحقوق الدينية فى المجتمع الكندي.
جريمة واحدة زلزلت المجتمع الكندى وتركته فى حالة ذعر شديد فى أوائل 2017 عندما أودى هجوم على جامع فى مدينة كيبيك بحياة 6 وإصابة 19 آخرين من المسلمين، وقد أدان رئيس الوزراء الكندى المذبحة قائلا «إن أكثر من مليون كندى مسلم يتألمون ويحاولون استيعاب ما حدث فى مدينة كيبيك وعليهم أن يعلموا أنهم ليسوا بمفردهم وأن 36 مليون كندى يعانون مثلهم ومعهم. الحقيقة أن كندا تفخر بأنها استوعبت وتستوعب القادمين من جميع أنحاء العالم وبتبنيها منظومة الثقافة التعددية، وأنها أقوى ليس بالرغم من اختلاف الجنسيات بل بفضل تعددها. نبض الحياة الكندية منسوج من عشرات الثقافات المختلفة والأديان المتعددة فباستثناء أهالى كندا الأصليين الجميع مهاجرون لذا وجب احترام الآخر وتقبل عقائده.
نقلا عن الأهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع