بقلم : د. عزة رضوان صدقى
لم يمت الساجدون هباء، فنظرة العالم إلى الإسلام والمسلمين قد تتغير بعد حادثة نيوزيلندا. فى عملية إرهابية شرسة استهدفت مسجدين فى كرايس تشيرش بنيوزيلندا قتل إرهابيٌ 50 مصليا مسلما بينهم أطفال ونساء وجُرح 50 آخرون أثناء سجودهم لصلاة الجمعة. ثبّت الإرهابى كاميرا فيديو على رأسه حتى يتسنى له بث تصوير المذبحة تلازما مع حدوثها ليجاهر بفعلته على موقع فيس بوك.
إن تعريف مصطلح الإرهاب هو الاستخدام غير المشروع للعنف والتخويف، خاصة ضد المدنيين، فى السعى لتحقيق أهداف عقائدية. لا يحدد التعريف جنس الفاعل أو عِرقه أو لونه أو دينه. التعريف يحدد الفعل نفسه، وبالطبع تندرج هذه الحادثه تحت تصنيف عمل إرهابى سعيا وراء تفوق العرق الأبيض.
لقد غُمِر العالم بمذابح مروِّعة، ولكن المفاجأة هذه المرة كانت فى رد فعل نيوزيلندا الفورى تجاه الفعل والفاعل. بعد أن نفّذ الإرهابى فعلته وقفت رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسندا ارديرن، لتصف اليوم بأنه من أحلك أيام نيوزيلندا وصنّفت القاتل على أنه إرهابي. وصف الهجوم بأنه هجوم إرهابى بهذه السرعة وهذا الحسم من قبل رئيسة الوزراء جعلها من أول الرؤساء الذين يدركون الحقيقة، بينما كثير من المسئولين فى الغرب ترددوا فى استخدام هذا التعريف عندما يكون المهاجم أبيض، فكان دائما وأبدا الإرهابى هو المسلم، أما أى هجوم آخر أيا كانت جنسية أو عِرق المنفِّذ يصنّف على أنه هجوم متعمّد أو حادث مؤلم أو جريمة كراهية أو حتى فعل شخص مختل عقليا. متطرفون آخرون أثبتوا اعتناقهم للوحشية والكراهية مثل إرهابى كرايس تشيرش، فقد تسبب إرهابى متطرف فى النرويج فى مقتل 77 شخصا فى يوليو 2011.
أما نيوزيلندا فأدركت أن الإرهابيين ذوو أبعاد وأعراق متعددة، ودقت ناقوس الخطر بتصنيفها الجانى على أنه إرهابى ذى عِرق أبيض. ولعبت رئيسة وزراء نيوزيلندا دورا ملموسا فى توحيد الشعب وشموله جميع الأطياف، ونجحت فى الوقوف ضد الإرهابى ومع الضحايا المسلمين وشدت أزرهم. ركزت ارديرن على إنسانية الإسلام والمسلمين وذهبت لمواساة أهل الضحايا مرتدية حجابا أسود احتراما لهم. ثم وقفت ترثى الموتى وتدعم أهاليهم قائلة: نيوزيلندا فُجِعت معكم فنحن واحد. عندما تحدثت أمام البرلمان بعد الحادث المؤسف بدأت باللغة العربيه قائلة: السلام عليكم، ولما أجرى الرئيس دونالد ترامب مكالمة تعزية وسألها عن الذى يمكن أن يقدمه لنيوزيلندا أجابته «تعاطف وحب لكل المجتمعات الإسلامية». كما رفضت إردرن استخدام اسم الإرهابى الذى كان وراء المجزرة فى محاولة لحرمانه من الشهرة واكتفت بتسميته إرهابيا، وفعلا تابعتها جميع وسائل الإعلام ولم تتداول اسم الإرهابى مطلقا حتى إن العالم لا يعلم عن هذا القاتل الكثير. كذلك فى ستة أيام فقط استحدثت قانونا يحظر امتلاك جميع الأسلحة شبه الآلية والبنادق الهجومية، وهو الشيء الذى لم يتمكن من تفعيله الآخرون أو لم يبغوا تفعيله. لعل رؤساء الدول الأخرى يحذون حذوها فى حظرها للأسلحة وفى تعاملها مع الإرهاب وتقديرها لجميع أفراد شعبها أيا كان عرقهم الأصلي.
أسلوب رئيسة الوزراء قد أثر على اتجاهات شعبها، فمنذ حدوث الحادثة اكتست نيوزيلندا بثوب الحداد وتضامن أهالى كرايس تشيرش مع المسلمين وامتلأت الأماكن القريبة للمسجدين بالمعزين الذين نشروا الورد ورسائل العزاء فى كل مكان. وأقامت جميع كنائس كرايس تشيرش صلاة تأبين ترحما على من لقوا حتفهم.
فى يوم الجمعة الذى تلا الحادثة أذيعت صلاة الجمعة على الملأ من حديقة كبرى بالقرب من مكان أحد المسجدين ونقلتها جميع محطات الإذاعة والتليفزيون النيوزيلندية. ووقف أهل كرايس تشيرش فى خشوع وإنصات للصلاة التى تليت بالعربية فى عرض هائل للتضامن الإنساني. وخرجت الجريدة الرئيسية فى كرايس تشيرش بغلاف أبيض عليه كلمة واحدة «سلام» باللغة العربية بالخط العريض مع كلمة «peace» بالخط الصغير تحتها. كما حذرت الشرطة المواطنين من تداول فيديو المذبحة قائلة: إذا شاهدت الفيديو فأبلغ عنه على الفور. لا تقم بتنزيله أو مشاركته. إذا تبين أن لديك نسخة من الفيديو أو قمت بمشاركته فستواجه غراماتٍ وسجنا محتملا. لقد وقع العالم فى فخ الاعتقاد بأن الإرهاب يحدث فى أماكن معينة ـ أوروبا والشرق الأوسط مثلا ـ ويقتصر على الإسلاميين المتطرفين، مشوها صورة المسلمين جميعا ويعرضهم للإسلاموفوبيا والكره البيِّن، ولكن هذه الحادثة ألقت بالنمطية المألوفة عبر الحائط. على عكس ما يعتبر عامة، كان الهجوم فى أقاصى العالم على مسلمين مسالمين من قبل شخص أبيض العِرقية.
هناك شيء واحد مؤكد: لا يقتصر الإرهاب على متطرفين مسلمين، بل يضم الفاشيين المناهضين للمهاجرين، والفاشيين المؤازرين لليمين المتطرف والتابعين لتفوُّق العِرق الأبيض، أو لكراهية الأجانب. كان هذا هو الحال دائما، وقد حان الوقت لنتوقف عن مقولة إن الارهابى مسلم. شكرا نيوزيلندا.
نقلًا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع