بقلم - عماد جاد
تسبب الإجراءات التى تتخذ إبان مراحل التحول الاقتصادى والسياسى آلاما شديدة للغالبية الساحقة من المواطنين، عادة ما تشهد هذه الفترة إجراءات من قبيل تحرير سعر صرف العملة المحلية والتى عادة ما تفقد الكثير من قيمتها أمام العملات الأجنبية، ومن ثم تشهد البلاد موجة من الغلاء وارتفاع الأسعار، تليها مرحلة رفع فورى أو تدريجى للدعم الذى كانت تقدمه الدولة لبعض المواد مثل الطاقة والمياه، وهو أمر يرتب موجة جديدة من التضخم وارتفاع الأسعار يعانى منها القطاع الأوسع من المواطنين. يجرى تبرير هذه القرارات بأنها ضرورة ملحة للحفاظ على الدولة ومواجهة ظاهرة العجز المتراكم فى الموازنة، وأيضا كمدخل لسياسة إصلاح اقتصادى شامل سوف تؤتى بثمارها فى القريب العاجل.
أيضا تكشف تجارب التحول الديمقراطى فى بلدان عديدة أوروبية وآسيوية ولاتينية عن أن هذه العملية غالبا ما تكون صعبة وتولد آلاما وصعوبات مركبة، كما أنها قد تتعرض لانتكاسات فى منتصف الطريق، وأنها فى مجمل الأحوال تستغرق فترة زمنية حدها الأدنى عقد من السنوات وقد تطول عن ذلك كثيرا. ومن هنا يمكن القول بأن الدول فى طريق تحولها من نظام سلطوى، استبدادى أو ثيوقراطى (أى حكم دينى) إلى نظام ديمقراطى تمر بعملية مخاض طويلة تصاحبها آلام شديدة وتضحيات أيضا، وتختلف طول المرحلة الانتقالية وكم التضحيات ودرجة الألم من دولة إلى أخرى لاعتبارات عديدة منها درجة نضج ووعى الشعوب، مدى قوة ومتانة مؤسسات الدولة، طبيعة من يتولى إدارة المرحلة الانتقالية. حسب تفاعل هذه العوامل معا تتحدد طبيعة المرحلة الانتقالية، مدتها، الثمن المدفوع ودرجة الألم. المؤكد أن شعوب عدة دفعت أثمانا باهظة فى طريق انتقالها من النظم السلطوية إلى الديمقراطية وأن شعوب أوروبا دفعت ثمنا باهظا لتقلص من دور الكنيسة وتنزع القداسة عن الحكام، وقعت ثورات سالت فيها دماء وقطعت فيها رقاب.
كان بالإمكان بدء مرحلة الإصلاح الاقتصادى والتحول السياسى فى مصر مباشرة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، ولكن عدم وجود أحزاب سياسية مدنية قوية، والتواجد القوى لجماعة الإخوان على الأرض، أدخل البلاد فى دوامة عطلت بدء عملية الإصلاح ورفعت من ثمنها، بل كادت تدفع بالبلاد نحو حالة من الفوضى الشاملة والاقتتال الأهلى. جاءت ثورة الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ فبدأت المرحلة الانتقالية بثمن مرتفع وآلام أكثر وطأة.
اليوم ونحن نمر بأصعب فترات تحمل ثمن أو ألم المرحلة الانتقالية، مطلوب حكمة شديدة من قبل من بيدهم مقاليد الأمور، مطلوب حساسية شديدة لأنين الألم الصادر من قطاعات واسعة من المصريين باتت تئن من وطأة آلام مرحلة التحول، موجات الارتفاع المتتالية فى الأسعار وارتفاع معدلات التضخم وسرعة إيقاع رفع الدعم عن بعض السلع والخدمات، الأمر الذى يضاعف من آلام مرحلة التحول فى مصر. نعم القرارات التى اتخذت كانت ضرورة لابد منها، لكن ما هو ليس بضرورى بل وضار للغاية هو تحميل الطبقة الوسطى بمفردها ثمن سياسات الإصلاح، دون الشرائح العليا من هذه الطبقة ناهيك عن الطبقة العليا بشرائحها الأمر الذى ينذر بتآكل الطبقة الوسطى، العمود الفقرى لاستقرار المجتمع وتوازنه. مطلوب قدر من العقلانية والإدارة السياسية الإنسانية لمرحلة التحول التى تمر بها البلاد حتى تسير نحو الهدف المنشود بأقل قدر من الصعوبات والآلام وأيضا الخسائر.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع