بقلم - صلاح الغزالي حرب
انتهت الانتخابات الرئاسية، وفاز الرئيس السيسى بجدارة، وهو المتوقع لأسباب كثيرة، أهمها أن المصريين على الجانب الآخر يرون على أرض الواقع، وعلى مدى سنوات طويلة، ما يمكن أن نسميه الطفرة الإعجازية، التي حدثت على أرض مصر، وهو ما جعلنى أنتخب الرئيس السيسى بلا تردد، وبالطبع فإن هذا لا يمنع من وجود اختلافات في الرأى بينى ومعى آخرون وبين الدولة في بعض الأمور، وهو أمر طبيعى وصحى ومطلوب.. ويمكن أن نعدد بعض الإنجازات الكبيرة، ومنها التطوير الهائل في البنية الأساسية للدولة وبناء المدن الجديدة في كافة أنحاء الجمهورية من أجل التعامل مع الزيادة الكبيرة في عدد السكان، وكذا القضاء على العشوائيات، التي شوهت وجه مصر على مدى سنوات طويلة، ثم كانت النقلة المعجزة (مبادرة حياة كريمة) للتخفيف عن كاهل المواطنين بالتجمعات الأكثر احتياجًا في الريف والمناطق العشوائية في الحضر والارتقاء بالمستوى الاجتماعى والاقتصادى والبيئى للأسر المستهدفة، وتشمل المرحلة الأولى القرى ذات نسب الفقر من 7% فيما أكثر.. وهناك أيضًا ثورة تجديد وتوسيع الطرق وبناء الكبارى في كل أنحاء الجمهورية لتسهيل حركة المواطنين وتشجيع حركة التجارة، وكذلك المبادرات الرئاسية في المجال الصحى، والتى شملت الكثير من المشاكل الصحية التي يعانى منها المواطن، وقبل ذلك وبعده، لا يمكن أن ننسى كيف استعادت مصر الأمن والأمان، بعد فترة عصيبة من ولاية الرئيس الأولى، والتى استطاعت فيها القوات المسلحة والشرطة أن تتخلص من آثار إخوان الشر والإرهاب.. وهناك الكثير من الإنجازات التي لا يمكن حصرها الآن.
وبعد الإعلان عن نتيجة الانتخابات، انتعشت الآمال عند المواطن المصرى، الذي عانى في الفترة الأخيرة أزمة اقتصادية عنيفة ضربت العالم كله، وأدت إلى حالة من القلق والضيق، وهو يأمل في أن نتغلب سريعًا على هذه المصاعب.. ومن واقع عملى، الذي يُمكِّننى من لقاء الكثير من أبناء مصر من كافة المحافظات، أستطيع عرض بعض ما يرجوه المواطن البسيط:
أولًا.. ارتفاع الأسعار وصعوبة المعيشة:
أكثر ما يقلق المواطن هذه الأيام هو الارتفاع الجنونى في أسعار السلع بكافة أنواعها، والذى امتد من رغيف الخبز، الذي تقلص حجمه وغلا سعره، إلى كل مستلزمات الحياة اليومية، وذلك في غيبة كاملة للرقابة والمحاسبة، وقد سعدت مؤخرًا بما تم كشفه في وزارة التموين بواسطة «الرقابة الإدارية» من عصابة فساد، وهى رهن التحقيق حاليًا، وبكل تأكيد هناك الكثير من العبث بالقانون والفساد في أماكن أخرى تستدعى يقظة كل أجهزة الرقابة، ولكنى أطالب باتخاذ إجراءات سريعة من أجل راحة المواطن البسيط، ومنها ضرورة تكثيف أعداد مفتشى التموين، حيث ذكر وزير التموين أن عددهم لا يفى بالعمل!، وأطالب بتفعيل قانون من أين لك هذا؟، والكشف عن أسماء مافيا الاستيراد غير الضرورى، وكذا مراقبة ما يحدث في الكثير من المولات الكبيرة، التي تتلاعب بالأسعار، بصورة شبه يومية، في غيبة الرقابة و«حماية المستهلك»، ويكفى ما حدث مع الأرز والسكر والبصل وغيرها من السلع الأساسية، التي تتطلب سرعة الإعلان عن التسعيرة الجبرية لفترة محددة حتى تمر الأزمة الاقتصادية، على أن يكون السعر في متناول المواطن البسيط، وفى نفس الوقت لا يتسبب في خسارة للمنتج.. وباختصار: مطلوب إدارة جديدة وواعية وأمينة لهذا القطاع شديد الأهمية.
ثانيًا.. أزمة التعليم:
أنفقت الدولة المليارات من أجل تحديث التعليم، وبكل أسف لم يزل المواطن يعانى فوضى التعليم، الذي يشمل نقص عدد المدارس وكثرة أعداد الفصول، وقلة المدرسين، والتردد في إنتاج محتوى علمى حديث، وسيطرة أوكار التعليم الخاص، والحل الوحيد السريع هو سرعة إنشاء مفوضية للتعليم تضم خبراء التعليم والتربية لوضع سياسة موحدة للتعليم تشمل كل أنواع التعليم في مصر، على أن تكون وظيفة الوزارة تنفيذ هذه السياسة، مع مراقبة التنفيذ، مهما كانت التكلفة، مع الاستعانة بالقطاع الخاص لإعداد المدارس، والقضاء على مهزلة الأوكار الخاصة، وتشديد العقوبة على المخالفين.. لقد أصبحت تكلفة التعليم عبئًا ثقيلًا على الملايين من المصريين، كما زادت الهوة الطبقية بين أفراد المجتمع الواحد، وهو أمر غير مقبول، وتدهورت بشدة اللغة العربية الأم، وزادت أعداد الهاربين من التعليم، وخاصة في الريف والصعيد، ما يحتاج جهدًا كبيرًا من رجال الأعمال والميسورين في كل محافظة.
ثالثًا.. أزمة الصحة:
أستطيع القول بكل صراحة إن المبادرات الرئاسية في مجال الصحة هي التي أنقذت هذا المجال شديد الحيوية، وهو أمر لا مثيل له في العالم من حولنا، فالمتعارف عليه أن وزارة الصحة تتفرغ للطب الوقائى والثقافة الصحية في المقام الأول، في حين يكون الطب العلاجى مسؤولية مجلس أعلى للصحة يضم نخبة مختارة من الأطباء في كل التخصصات، مع الاستعانة ببعض المغتربين في الخارج من ذوى الخبرة، وما أكثرهم، لوضع سياسة عامة لعمل المستشفيات الحكومية، مع إلغاء مهزلة العلاج على نفقة الدولة، باعتبار أن العلاج بحكم القانون هو مسؤولية الدولة، التي توفر قيادات متخصصة لهذه المستشفيات، وتوفر لها كل ما تحتاجه من مُعَدات وأدوية، والأهم من ذلك توفير العدد الكافى من الأطباء، بعد أن هاجر أكثر من نصف الأطباء المصريين إلى الخارج، ولم تتحرك الحكومة، للأسف، حتى الآن، وهى تعلم مدى خطورة الموقف. ويبقى مشروع التأمين الصحى الشامل هو الأمل الوحيد للمواطن المصرى، وللأسف أشك كثيرًا في إنجاز هذا المشروع في الوقت المحدد له، فهناك ثغرات في المشروع، تستدعى وقفة سريعة، ومنها الإنفاق غير الرشيد، في وقت تعانى فيه ميزانية الدولة، وأقترح إعادة النظر في إمكانية دمج مشروع التأمين الحالى مع المشروع الجديد المزمع عمله، مع التذكير بأن المواطن المصرى المريض لا يحتاج إلا إلى طبيب ماهر يعالجه، في مكان نظيف ولائق، مع وجود الدواء المناسب، والتمريض الماهر فقط.. ولا حاجة له لأى من مظاهر البذخ والإنفاق غير الرشيد.
رابعًا.. العناية بالبشر قبل الحجر (الثقافة والرياضة):
أتمنى أن نركز في الفترة القادمة على الاهتمام بالإنسان المصرى، الذي للأسف تغيرت سماته في السنوات الأخيرة، فالكذب تحول إلى ذكاء، والعدل إلى ضعف، والطيبة إلى غباء، والتملق إلى ذكاء، والتكبر إلى وجاهة، والوقاحة إلى شجاعة، وأصبحنا نرى ونسمع عن جرائم لم نشهدها من قبل، وخاصة في محيط الأسرة الواحدة، وهو أمر خطير.. ولكن تبقى التنشئة الاجتماعية، والتربية والتعليم، والإعلام، والاهتمام بنشر القدوة الحسنة، وفهم الدين الصحيح، هي أدوات الخروج من هذا المأزق، وقد سعدت كثيرًا بعودة الإعلامية المتميزة قصواء الخلالى، وبدء برنامج مع فاروق جويدة الشاعر والصحفى القدير، وكذلك أشيد ببرنامج وزيرة الإعلام السابقة القديرة د. درية شرف الدين، وفى انتظار برنامج صحى بعيد عن الدعاية مع المتميز د. خالد منتصر، وكذا برامج للأطفال تتناسب مع التطور الهائل في هذا المجال، وبما يتوافق مع مجتمعنا، ولابد أن ننهض بالثقافة بكافة فروعها، مع ضرورة تشجيع استخدام اللغة العربية في كل حواراتنا وبرامجنا، كما كان الحال في السابق، والتركيز على القدوة الحسنة، وما أكثرها، والحمد لله.
خامسًا.. استمرار الحوار الوطنى:
أتمنى أن يستمر الحوار الوطنى الذي شجع عليه الرئيس السيسى كى يكون هو القاعدة السياسية للحوار العام، وهو ما يتطلب التشجيع على إقامة الأحزاب الحقيقية، التي يجب ألا يزيد عددها على 3- 5 أحزاب، تختلف فيما بينها في كيفية النهوض بهذا البلد، ومنع أي أحزاب دينية، وتشجيع ممارسة السياسة في المدارس والجامعات، وتشجيع النقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدنى، والإفراج عن كل المحبوسين احتياطيًّا، الذين لم يشاركوا أو يشجعوا على العنف من أجل إعادة الراحة والسكينة إلى قلوب أسرهم.
ويبقى أخيرًا الأمل في سرعة إجراء الانتخابات المحلية، وإعادة النظر كلية في طريقة اختيار المسؤولين في كل مؤسسات الدولة، والتى يتحتم أن تعتمد فقط على الكفاءة والخبرة والحس السياسى والأمانة والقدرة على الإبداع واتخاذ القرار المناسب، ومصر غنية بأبنائها، والحمد لله.