أولًا.. عن تدهور التعليم:
سعدت كثيرًا بتعليق الكاتب القدير الأستاذ محمد أمين على تصريح السيد وزير التعليم فى مجلس الشيوخ بإعلانه عن نظام جديد للثانوية العامة لتطوير التعليم والتعليم الفنى، مبشرًا المصريين باختفاء ما سماه (بعبع الثانوية العامة)، وهو الوزير المخضرم، الذى عايش كل أنظمة الثانوية العامة السابقة!. وترجع سعادتى إلى أن المواطن المصرى قد اكتوى بنار مثل هذه التصريحات سنوات عديدة، ولم يجنِ شيئًا، بل تدهور الأمر كثيرًا، وآن الأوان- ونحن نسعى إلى قيام الجمهورية الجديدة- أن يجرى تغيير شامل فى منظومة التعليم فى مصر بتشكيل مفوضية تضم كل خبراء التربية والتعليم المصريين فى الداخل والخارج لوضع استراتيجية ثابتة تُطبق على الجميع بغير استثناء، وما على الوزير وزملائه إلا التنفيذ والمراقبة والمتابعة، ويمكن أن أقترح الآتى:
1) لا أرى داعيًا إلى وزارة التعليم العالى، ويكفى وجود المجلس الأعلى للجامعات، مع تعديل اختصاصاته للعودة إلى استقلال الجامعات، الذى افتقدناه، وإضافة وزارة مستقلة للتعليم الفنى تضم المتخصصين فى هذا المجال، مع الاستعانة بالدول التى سبقتنا فى هذا المجال شديد الأهمية، وأقترح تحديد نسبة معينة من خريجى الإعدادية والثانوية العامة للالتحاق بالتعليم الفنى، مع تغيير اسم الشهادة كما هو الحال فى الجامعات، وإشراك كل رجال الأعمال والقطاع الخاص والبنوك فى هذا المجال.. ومن ناحية أخرى يجب مراجعة ما قيل إنه تغيير فى المناهج تحت إشراف متخصصين وتربويين من أجل تجنب الحشو بعيدًا عن الحياة العملية لإلغاء الفجوة الكبيرة الحالية بين سوق العمل وبين محتويات المناهج الحالية، ومن المهم الإشارة تحديدًا إلى المناهج الدينية، التى تحتاج إلى تغيير شامل تحت إشراف الوزارة، وكذلك منهج اللغة العربية، الذى يحتاج إلى أساتذة متخصصين فى تسهيل اللغة وليس النفور منها كما يحدث الآن.
2) لابد من إغلاق الفجوة الطبقية بين التعليم الحكومى والخاص، والتى لم يكن لها وجود من قبل فى مدارسنا وجامعاتنا، بل كان التعليم الخاص مستهجنًا باعتباره للخاملين من التلاميذ، ولكنه أصبح بكل أسف يعبر عن طبقية مقيتة لا تتفق مع الدستور، الذى نص فى المادة 19 منه على أن التعليم حق لكل مواطن، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه فى مناهج التعليم ووسائله وتوفيره وفقًا لمعايير الجودة العالمية، وهو إلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية أوما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة فى مؤسسات الدولة التعليمية.. فأين نحن من هذه المادة؟، فقد فقدت الكثير من المدارس أهميتها ودورها، وحلت محلها أوكار الدروس الخصوصية فى كل أرجاء مصر بأسعار بغير رقيب أشعلت نار الغضب فى معظم البيوت المصرية، مع غياب تام للوزارة المسؤولة، وعلى الجانب الآخر من الصورة، لجأ البعض- مجبرين- إلى المدارس الخاصة والدولية بأنواعها باحثين عن تعليم مختلف يكون أكثر حظًّا من أقرانهم!، وأصبحنا بكل أسف نرى أطفالًا وشبابًا لا يُجيدون لغتهم الأولى، بل يفخرون بذلك، مُفضلين عليها اللغة الأجنبية، والأخطر من ذلك هو تشجيع بعض أولياء أمورهم لهذا الاتجاه غير المقبول.. فأين الوزارة من هذا كله؟!.
3) من المحتم أن نلتفت إلى فقه الأولويات، فيكون إنشاء المدارس والفصول وإعداد المدرسين، (وصل العجز إلى ما يقرب من 320 ألف معلم)، وتحسين مرتباتهم من الأولويات فى ميزانية الدولة، مع العلم بأن هذه ليست فقط مسؤولية الحكومة، ولكنها مسؤولية مشتركة يجب أن تسهم فيها جميع القطاعات، ومن بينها القطاع الخاص والبنوك المصرية.
4) دعوة قطاع الأعمال والصناعة إلى المشاركة الفعالة مع مؤسسات التعليم العالى فى تحديد المواصفات المفروض توافرها فى الخريج والمشاركة فى تمويل مؤسسات التعليم ودعم وتوسيع مفهوم الشراكة بين القطاعين الحكومى والخاص والمنظمات غير الحكومية فى تحمل أعباء العملية التعليمية باعتبارها قضية أمن قومى وليست ترفًا.
5) مع توفر المدارس والمدرسين، لا يُسمح على الإطلاق بأى مراكز خاصة، مع توقيع أقصى العقوبات على المخالفين، ويمكن الاستعانة بكل مدرس تربوى يُجيد عملية التدريس ليشارك فى مجموعات تقوية بالمدارس، بعد انتهاء الدراسة، تحت رعاية مديرية التعليم.
وتبقى بعض الملاحظات على التعليم الجامعى:
1) التفرقة الطبقية فى التعليم الطبى مرفوضة، وغير إنسانية، ولابد أن تتوقف، وفى نفس الوقت لا تسمح ميزانية التعليم الطبى بالمجانية العامة، مما يستدعى قصرها على الناجحين فقط، على أن يدفع كل راسب فى مادة تكلفة المادة كاملة، كما يحددها القسم المعنى، ويُسمح بإعطاء دروس خصوصية داخل الكلية للمحتاجين بأسعار مناسبة تحت إشراف الكلية.
2) استقلال الجامعات فعلًا لا قولًا، وتتولى كل جامعة اختيار قياداتها وأعضاء هيئة التدريس طبقًا للمعايير العالمية فى الجامعات الكبرى بغير تدخل خارجى.
3) مرحبًا بالجامعات الأهلية، بعد استيفاء معنى الأهلية المتفق عليه دوليًّا، ولا مرحبًا بتلك التى تنفصل عن الجامعات الحكومية من أجل الحصول على المال، والتى تستنزف أعضاء هيئة التدريس من الجامعة الأم، وغالبًا ما لا تكون لها مستشفى إذا كانت بها كليات طبية.
ثانيًا.. تدهور القيم الأخلاقية:
القيم جمع قيمة، وهى مأخوذة من التقويم وإزالة الاعوجاج، ويُراد بها المثل والمبادئ الاجتماعية السامية. والأخلاق هى من أساسات قيام الحضارات والثقافات.. وقد تميزت حضارتنا المصرية العريقة باحترام هذه المبادئ الأخلاقية، فقد حث بتاح حتب ابنه على القول الحسن قائلًا: (لا تجعل الناس تخافك، وعاملهم بالرفق واللين)، ويقول الحكيم امنموبى: (احفظ لسانك سليمًا من الألفاظ النابية، ولا تتكلم مع إنسان كاذب، فذلك يمقته الإله)، وغير ذلك الكثير من تراث أجدادنا العظام.. فإذا انتقلنا إلى الحاضر الذى نعيشه فسنجد تدهورًا كبيرًا فى منظومة القيم الأخلاقية والإنسانية وانتشارًا لسلوكيات وانحرافات اخترقت مجتمعنا، مما يستدعى الانتباه والحذر، ومن المهم أن نتصارح ونتساءل عن حال الصدق والنزاهة والعدل والشجاعة والتسامح والتعاطف والصداقة والاحترام والمساواة والتواضع والانضباط وغيرها من القيم الأخلاقية فى حياتنا وعن هذه الجرائم التى تمتلئ بها الصحف يوميًّا، والتى لم نكن نسمع عنها منذ سنوات، والتى تجاوزت الحدود من ضرب وقتل وتشويه لأتفه الأسباب، بالإضافة إلى جرائم السرقة والنصب والاحتيال والكسب الحرام، ناهيك عن انتشار الكذب والنفاق والخيانة.. وأقترح الآتى:
1) تفعيل مادة القيم والأخلاق، التى أقرها وزير التربية والتعليم الأسبق، د. الهلالى الشربينى، على صفوف المرحلة الابتدائية، والتى تعتمد فى تدريسها على أسلوب التعلم النشط بما يحتويه من أنشطة وألعاب يقوم بها التلاميذ لإحداث متعة فى التعلم وترسيخ للقيم الإيجابية.
2) توظيف مبادئ وتعاليم الأديان السماوية، التى تحدد ما يجوز وما لا يجوز فى مجال الفكر والسلوك بأسلوب مبسط ومفهوم وتطوير كتب التربية الدينية كى تكون أشد معاصرة وتشويقًا وارتباطًا بقضايا المجتمع، على أن يُطبق هذا كله على كل مدارس الدولة بكافة أنواعها بالقانون.
3) تنشيط دور وزارة الثقافة فى رفع كفاءة قصور الثقافة فى كل المحافظات ونشر المكتبات وعقد الندوات وممارسة الرياضة وإنشاء المسارح ودُور السينما، وعلى وسائل الإعلام أن تركز على الإيجابيات وتعرض نماذج القدوة، وما أكثرها فى كل المجالات، وأن تبتعد عن الألفاظ المرفوضة بحجة تجسيد الواقع وغيرها.. ويبقى العامل الأهم والأشد تأثيرًا، وأقصد به تفعيل احترام القانون على الجميع بغير استثناء، والعمل على تحسين حياة المواطن، وتجريم وتقييد بيع واستخدام الأسلحة البيضاء، التى انتشرت للأسف ووصلت إلى المدارس والجامعات.
ثالثًا: المسؤول الصامت!
المقصود هنا هو المسؤول فى كل موقع، والذى لا يلتفت إلى آراء وصرخات ونداءات المواطن، وهم للأسف كثيرون، وسوف أضرب 3 أمثلة فقط لضيق المساحة.. الأول هو السيد وزير الإسكان المسؤول عن المدن الجديدة، التى تعانى مشاكل عديدة، ومنها القاهرة الجديدة، التى ضج أهلها من المشاكل، التى يعبرون عنها على وسائل التواصل الاجتماعى الخاصة بهم، ومنها المرور، وضعف المياه، وانقطاعها، وكثرة حوادث انفجار مواسير المياه فى مدينة يُفترض أنها جديدة!، وكان أحدثها أمام مدرسة الشويفات بالتجمع الخامس، وهو ما أغلق الطريق، وأعاق المرور عدة أيام، ولم يتحرك أحد للتفسير والتوضيح.. والمثل الثانى يتعلق بالسيد محافظ الجيزة، الذى لا يلتفت إلى شكاوى محافظته وفوضى الشوارع فى منطقة الدقى والبحر الأعظم والتحرير وغيرها، مع سوء الكثير من رصف الشوارع الجانبية وغيرها، والثالث هو محافظ القاهرة، التى يعانى فيها سكان المعادى ومصر الجديدة، وخاصة فى الكربة وغيرها بالطبع، من الفوضى وتراكم القمامة، ولا مجيب!!، وكل ما أتمناه أن يتنحى عن منصبه كل مسؤول صامت، وغير قادر على التواصل مع المواطنين بأمانة ووضوح من أجل خفض درجة الغضب والاستياء