بقلم - صلاح الغزالي حرب
أولًا.. صوت العقل.. لنعبر معًا أزمتنا الخانقة:
هذا هو عنوان الرسالة التي وصلتنى من صديقى العزيز أ. د. أسامة حمدى، الأستاذ بجامعة هارفارد، والمصرى حتى النخاع، والذى رغم وجوده ما يقرب من 30 عامًا بالولايات المتحدة، فإن قلبه مع بلده في السراء والضراء، كما أنه يحرص على زيارتها سنويًّا وعلى المشاركة في الحوار الوطنى عبر وسائل التواصل الاجتماعى.. وإلى الرسالة: «نعرف أن مصر تمر بأزمة اقتصادية وزيادة في معدل التضخم، الذي وصل إلى نحو 38%، وهناك ضغوط مستمرة من صندوق النقد الدولى لتعويم العملة المصرية، بعد أن وصل سعر صرف الدولار في السوق الموازية إلى نحو 46 جنيهًا، وهدف البنك من التعويم هو زيادة الحصيلة الدولارية، التي قد تُمكِّن مصر من سداد ديونها المتراكمة.. وقد يبدو كل ذلك حالكًا للمصريين، الذين وجدوا نقودهم قد تبخرت قيمتها في البنوك. من الواضح أن أمام مصر سنوات صعبة لسداد الديون وفوائدها.. وقد قامت مصر باستثمارات كبيرة في الطاقة والطاقة البديلة وتحلية المياه والمناطق الصناعية، وقد تكون تأخرت مع الأسف عوائدها، وإن كانت قادمة، مما زاد الضغط على الحكومة، كما أن التأخر في تعويم الجنيه حماية للطبقتين المتوسطة والفقيرة أدى إلى نزيف العملة الصعبة إلى خارج الجهاز المصرفى، فتناقصت تحويلات المصريين في الخارج من خلال البنوك وتسربت إلى السوق السوداء للاستفادة من الفارق الكبير في سعر الدولار.. ولكن ما الحال بعد السنوات الثلاث من الآن؟. إذا استطعنا المرور من عنق الزجاجة- وأنا واثق أننا سنستطيع- فإن الدَّيْن بفوائده سينخفض بشدة، وهو ما يمكن تسديده بسهولة، وخاصة بعد أن بدأت الاستثمارات تؤتى ثمارها، وعندئذ ستحقق الدولة فائضًا ضخمًا، كما أن تعويم الجنيه، الذي لا محالة منه، سيؤدى إلى رفع الحصيلة الدولارية بمنع نزيفها خارج البنوك.. الدواء الشافى فعلًا مر.. ولكنه يتطلب تخارج الدولة من معظم الاستثمارات، التي يمكن أن يقوم بها القطاع الخاص، بعد تشجيعه وتهيئة المناخ المناسب لعمله، وهو ما بدأ أخيرًا وكذلك الاستثمار جيدًا في السياحة وتنمية قناة السويس وإدارة موانينا بحكمة، وإذا خفضنا ضرائبنا، ووحّدناها، وبسّطنا قوانيننا، وشجعنا التصدير، وربطنا الأحزمة عن الاستيراد البذخى، ووازنّا ميزاننا التجارى، وحاربنا الفساد، فسيكون لمصر إن شاء الله مستقبل مشرق.. إن شراء الوقت، وترحيل الحل، لن يفيد، بل سيجعل الثمن باهظًا، فكلنا في سفينة واحدة، وما علينا إلا أن نحب بلدنا بصدق، ونقف معه في محنته، بعيدًا عن اللوم والعتاب، دون مواجهة الأزمة.. لقد صبر الشعب طويلًا، ولكننا سنتخطى هذه المحنة، كما تخطينا عشرات العثرات قبلها.. وعاشت مصر آمنة مطمئنة».
انتهت رسالة أ. د. أسامة حمدى، والتى أشكره عليها، وأبعثها إلى كل مَن يهمه أمر مصر، في هذا الوقت العصيب.. وأضيف أننى قد شاركت في الحوار الوطنى في مجال الصحة، وأستطيع القول إن هناك تغييرًا ملحوظًا من حيث احترام الرأى والرأى الآخر، والاستعانة بالمتخصصين وأصحاب الرأى.
ثانيًا.. جاوز الظالمون المدى:
هذا العنوان هو الآخر عنوان مقالة، هي أقرب إلى الوثيقة التاريخية، التي يجب أن يقرأها كل إنسان في هذا العالم الظالم كى يتبين حقيقة ما جرى ولايزال يجرى، وهو بقلم أستاذة الكتابة المتميزة، الفنانة القديرة، سناء البيسى، في جريدة الأهرام، وأستأذنها في إعادة نشر بعض ما جاء فيها فيما يخص قصة تاريخ الصهاينة المجرمين وما يحدث في فلسطين الجريحة.
«بئس مَن قال إن أهالى فلسطين لم يكونوا على وعى بما يدبَّر ويخطَّط لهم وعلى أرضهم، ففى 24 يونيو 1891 أرسل أعيان القدس برقية إلى الصدر الأعظم في الأستانة يشكون فيها من ازدياد أعداد المهاجرين اليهود إلى فلسطين، وسرعة تملكهم للأراضى، ولكن السلطان العثمانى كان في شغل آخر، فلم يعط آذانًا صاغية، واستمرت الهجرات لتتسع الممتلكات الصهيونية في فلسطين، وفى مجلة (أبوالهول) الشهرية، التي كانت تصدر في القاهرة، اشتكى الإخوة الفلسطينيون من تعسف الولاة والرشاوى، التي يتلقاها هؤلاء لتسهيل الهجرات الصهيونية وتملك المهاجرين للبيوت والأراضى، في حين رد اليهود بأن المهاجرين منهم يمثلون إضافة إلى السلطة العثمانية، بينما الدول الأوروبية تضطهدهم وتطردهم.. وبالفعل ظل هذا الطرد من أوروبا ظاهرة جديرة بالدراسة على مر مئات السنين منذ طردهم- كما تناقلتها الأخبار المتداولة على صفحات التواصل الاجتماعى- فطُرد من فرنسا 1080، ومن جمهورية التشيك 1098، ومذبحتهم في كييف 1113، ومن إيطاليا 1171، وفى سويسرا تم إعدام 100 يهودى شنقًا، ومن فرنسا عندما تم حرق 3000 منهم أحياء، وحُظر عليهم الخروج من أحياء خاصة بهم في صقلية، وطُردوا من النمسا، مع إبادة جماعية عام 1933!!، ومن المضحك المبكى أن ألمانيا الآن تصف عملية (طوفان الأقصى) بأنها تُذكرها بما كان يقوم به النازيون مع اليهود!.
وإذا ما كان الغرب المنتصر- في حربين عالميتين 1941 و1945- قد أعطى ما لا يملك (فلسطين) إلى مَن لا يستحق (الحركة الصهيونية) على فرضية فاسدة (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، فقد سكت بعدها، وغضَّ البصر عن الإمعان المتمادى لإسرائيل في رفض وعدم تطبيق جميع القرارات الدولية، ومهما تفعل إسرائيل من قتل جماعى وتهجير، لم يعد أحد ينتظر من دول هذا الغرب دورًا نزيهًا، بعدما سقطت ورقة التوت عنها.
إن ما حدث في 7 أكتوبر هو حادث قابل للتكرار، أبسط ما فيه كسر الغطرسة الصهيونية، مع الاعتراف بانهيار الأمن وتمزيق أوهام الهيبة والردع اللا محدود إلى إظهار القدرة على تمزيق خريطة نتنياهو الوقحة، التي نشرها في خطابه أمام الدورة الـ78 للأمم المتحدة، التي تُظهر شمول حدود إسرائيل كامل الأراضى الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة)، أما شموتريتش، وزير المالية المتطرف، فيعلن: (لا يوجد شىء اسمه الفلسطينيون)!!».
وأكتفى بهذا القدر اليسير من مقال الأستاذة القديرة، والذى يؤكد حقيقة ما جاء في القرآن الكريم: (وقطعناهم في الأرض أممًا) و(وألقينا بينهم العداوة والبغضاء) و(تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون)، وهذا هو ما نلاحظه جميعًا.. والمدهش أن الكثير من اليهود يرفضون وجودهم بفلسطين، ففى 16 يوليو 1897 ظهر احتجاج في جريدة يهودية ألمانية، مُوقع من مجلس الحاخامات، جاء فيه (أن محاولة الصهاينة لإرساء أساس دولة يهودية في فلسطين تتعارض مع الدعوة اليهودية كما وردت في الكتاب المقدس)، وفى 1905 انتقد لورى ماجنس الدعوة الصهيونية في لندن، ووصف د. هرتزل ومَن معه بأنهم خونة للتاريخ اليهودى!. إلى هنا انتهت هذه المقتطفات من وثيقة الكاتبة القديرة.
وتبقى همسة أو صرخة في آذان المسؤولين عن جوائز الدولة ونقابة الصحفيين.. متى تكرم الدولة أيقونة الكتابة الصحفية، سناء البيسى- التي قال عنها الكاتب اللبنانى المعروف سمير عطاالله، في جريدة الشرق الأوسط: (لست أعرف كاتبًا يحقق مثل هذا الإجماع حوله، مثل سيدتى وأستاذتى ومولاتى سناء البيسى، التي من السطر الأول تشدك من يدك كأنك طفل، وتدهشك من سطر إلى سطر كأنك في جولة في عالم ديزنى.. مقالها الأسبوعى هو قلم يصور الآخرين، وريشة ترسم ملامحهم وحياتهم وتسجل نبضهم وتبرز ألوانهم)- ولماذا نصر كثيرًا على إعطاء الجائزة للمستحق بعد مغادرته الدنيا؟!. أطالب بإعادة النظر في سياسة اختيار توقيت الجائزة في الحياة الدنيا، ونترك الجائزة الكبرى في الحياة الأخرى لمالك الملك، سبحانه وتعالى.