يحتفل العالم سنويًّا باليوم العالمى لمرض السكر، في 14 نوفمبر، وقد تم تدشين هذا اليوم، للمرة الأولى، في عام 1991، تحت إشراف الفيدرالية الدولية للسكر ومنظمة الصحة العالمية، وقد اعترفت به الأمم المتحدة كيوم عالمى للاحتفال في عام 2006، ويُعتبر هذا اليوم هو أكبر تجمع عن هذا المرض يُحتفى به في أكثر من 160 دولة حول العالم، ووُضعت له كرمز دائرة زرقاء منذ عام 2007، حيث تشير هذه الدائرة إلى أهمية التعرف على هذا المرض، كما يُخصص لهذا المرض سنويًّا مبحث أو دراسة حوله، وقد اختيرت لهذا العام دراسة طرق العناية بمريض السكر.. وترجع أهمية هذا الاحتفال إلى الزيادة المطردة لمرضى السكر في السنوات الأخيرة، فقد ارتفع عدد المرضى من 108 ملايين في عام 1980 إلى 422 مليونًا في عام 2014، وارتفع مؤخرًا إلى 437 مليونًا. وللأسف الشديد، فإن هذه الزيادة كانت من نصيب الدول النامية، ومنها مصر، التي احتلت المرتبة العاشرة، ضمن أكثر دول العالم التي تعانى هذا المرض، حيث تبلغ النسبة، بحسب تقدير منظمة الصحة العالمية، 20.9%، في حين تحتل باكستان المرتبة الأولى، (قمت مع زملائى بعمل مشروع تحت عنوان الكشف المبكر عن السكر تحت رعاية وزير الصحة آنذاك، أخى الفاضل، أ. د. محمد عوض تاج الدين، للكشف عن عدد المصابين بالسكر، ولا يعلمون، وكذلك عدد الذين يعانون حالة «ما قبل السكر» في عدة محافظات، وقد أثبتت الدراسة أن حوالى 25% من المصريين إما يعانون السكر، ويعالَجون، أو مرضى بالسكر أو ما قبل السكر، ولا يعلمون.. وقد توقف هذا المشروع فجأة، مع تغير الوزير، بكل أسف، ومازلت أنادى بضرورة عودة هذا المشروع في كل محافظات مصر لأهميته القصوى للكشف المبكر للسكر).
وقد تم اختيار هذا الموعد تحديدًا باعتباره اليوم الذي وُلد فيه العالِم الكندى، فريدريك بانتنج، الذي اكتشف مع تلميذه، تشارلز بست، هورمون الأنسولين، كأول علاج حاسم لمرض السكر في تاريخ المرض، تحت إشراف جون ماكلويد.. وقد حصل «بانتنج» و«ماكلويد» على جائزة نوبل على هذا الاكتشاف في عام 1923.. وقد كانت المعلومات المتوفرة عن هذا المرض قبل ذلك الاكتشاف أن هذا المرض يحدث نتيجة نقص هورمون بروتينى يفرز من خلايا لانجر هانز، الموجودة في البنكرياس، وقد سُمى بعد ذلك باسم الأنسولين، (معناها باللاتينى جزيرة، نسبة إلى جزر لانجر هانز، التي يعود اكتشافها إلى العالِم الألمانى المتخصص في علم الخلايا في عام 1868).
وقد مرت عملية اكتشاف الأنسولين بعدة مراحل، فقد حاولوا في البداية إعطاء المريض جزءًا من البنكرياس، ولكنه لم ينجح، باعتباره بروتينًا يتم هضمه بإنزيمات البنكرياس، فتم التحايل على هذه العقبة بفصل مسار الإنزيمات الهاضمة، ثم استخراج الأنسولين.. وبالفعل، تم في 11 يناير 1922 أول حقن للأنسولين لأول مريض سكر في العالم من النوع الأول، واسمه ليونارد تومبسون، وكان عمره 14 عامًا، حيث انخفض مستوى السكر في خلال 24 ساعة.. وفى 15 أكتوبر 1923، أنتجت شركة ليلى الأمريكية أول أنسولين في العالم، وتبعتها شركة نوفو نورد يسك الدنماركية في عام 1925، وكان الأنسولين في هذا الوقت يُستخرج من الخنزير والأبقار، باعتبارها الأقرب تركيبًا جينيًّا للأنسولين البشرى.. وفى عام 1980 ظهر الأنسولين البشرى، الذي لا يمكن استخراجه مباشرة من البشر، ولكن يتم ذلك بتقنية الهندسة الوراثية، بعد التعرف الدقيق على التركيب الجينى للأنسولين باستخدام خلايا البكتيريا وخلايا الخميرة.. ومن هنا بدأت الثورة العلمية في إنتاج الأنسولين بكافة أنواعه ليصبح أفضل حل لعلاج السكر.
ما أهمية الأنسولين، ومتى يُستخدم؟.
1) الأنسولين هو العلاج الوحيد الفعال لمرضى السكر من النوع الأول، الذي يصيب صغار السن نتيجة فشل البنكرياس في إفراز هذا الهورمون نتيجة خلل في الجهاز المناعى أدى إلى ظهور أجسام مضادة تدمر خلايا بيتا التي تفرز الأنسولين، وعليه يستمر المريض على الأنسولين طوال عمره.. أما عن مرض السكر من النوع الثانى، الذي يتميز بما يسمى مقاومة الأنسولين، والذى تمثل الوراثة عاملًا مهمًّا له، بالإضافة إلى زيادة الوزن وارتفاع الضغط وزيادة دهون الدم والتدخين وتكيس المبايض في الإناث وعدم ممارسة الرياضة وغيرها، وعادة ما تُستخدم الحبوب لمساعدة الأنسولين على أداء مهمته، وقد يأتى وقت تقل فيه نسبة الأنسولين المفرزة من البنكرياس نتيجة إجهاد الخلايا، وهو ما يتطلب سرعة استخدام الأنسولين بصفة مستمرة.
2) التأخر في استخدام الأنسولين قد يسبب الكثير من مضاعفات المرض، وقد يكون ذلك نتيجة رفض المريض استخدامه، وعلى الطبيب أن يخبره أنه لا بديل له، وقد يكون أحيانًا نتيجة تردد الطبيب في الحديث في الاستخدام، وهو ما يستلزم اللجوء إلى المتخصص.
3) للأنسولين فوائد عدة، فهو يعمل على إدخال الجلوكوز إلى خلايا الجسم، كما يعمل على تخزينه في صورة جليكوجين في الكبد والعضلات والخلايا الدهنية لاستخدامه حين الحاجة إلى الطاقة، وعند ارتفاع مستوى السكر بالدم، في عدم وجود الأنسولين، فإن الجسم يقوم باستخدام الدهون لإنتاج الطاقة، مما ينتج عنه ما يسمى «الكيتونات»، وقد يدخل المريض في غيبوبة ارتفاع السكر.. ومن ناحية أخرى يقوم الأنسولين بإدخال الأحماض الأمينية إلى خلايا العضلات وكذلك الأحماض الدهنية إلى الخلايا الدهنية، التي تتحول إلى دهون ثلاثية في الدم، ولذلك يُوصف الأنسولين بالهورمون البَنّاء، وهو الذي قد يزيد من وزن المريض، كما يقوم بإدخال البوتاسيوم إلى الخلايا، في حالة عدم وجود أنسولين بالجسم، بالإضافة إلى فوائد أخرى.
ما الجديد في علاج السكر؟.
بمناسبة اليوم العالمى للسكر، أرسل لى الصديق العزيز، أ. د. أسامة حمدى، الأستاذ بجامعة هارفارد، آخر التطورات الرائعة في مجال علاج السكر:
1) ابتكار أنسولين طويل المفعول يُحقن مرة واحدة أسبوعيًّا لمرضى السكر من النوع الثانى، وقد انتهت أبحاث المرحلة الثالثة والأخيرة، وفى انتظار موافقة هيئة الغذاء والدواء.
2) ابتكار كبسولات أنسولين تُعطى عن طريق الفم، وتُمتص فقط من الأمعاء، وقد قارب الأمر على الانتهاء، وقد يكون هذا العلاج متوافرًا في عام 2024، بعد الموافقة عليه.
3) عاد أنسولين الاستنشاق بقوة، بعد الأبحاث التي أكدت فاعليته في النوعين من السكر، بعد تعديل جرعاته وجهاز الاستنشاق الخاص به.
4) بدأ استخدام الدواء الجديد، الذي يؤجل حدوث مرض السكر من النوع الأول لمدة 32 شهرًا عند الأطفال المعرضين للإصابة به، وعند بداية ارتفاع السكر بالدم، ومن المتوقع الموافقة عليه قريبًا للمشخصين حديثًا بهذا المرض.
5) جهازان لقياس السكر المستمر بحجم صغير جدًّا، وبدقة عالية، وهما حاليًا في السوق الأمريكية.
6) بنكرياس صناعى جديد ومتطور، ولا يحتاج إلى عد النشويات كأمثاله السابقين ليحقن جرعة الأنسولين بدقة.
7) عقار جديد لخفض الوزن، يُحقن أسبوعيًّا، ويخفض الوزن بمعدل 22.5% في خلال عام، وسيكون متوافرًا أوائل 2024.
8) نظام غذائى مركب، ضمن برنامج متكامل، يمكنه شفاء مرضى السكر من النوع الثانى، إذا طُبق على مدار 12 أسبوعًا للمرضى، في خلال السنوات الخمس الأولى للمرض.
9) طريقة حديثة باستخدام الذكاء الاصطناعى والتحليل الجينى، يمكنها توقع تطور مرض السكر ومضاعفاته، وتحديد العلاج المناسب له بدقة متناهية.
10) كبسولة تحافظ على خلايا البنكرياس- المُخلَّقة من الخلايا الجذعية لزراعتها تحت الجلد في مرضى السكر من النوع الأول- وتحميها من مهاجمة الجهاز المناعى، ومن المتوقع استخدامها بحلول عام 2028.
11) ابتكار دواء جديد، يعطى بالفم، يخفض السكر التراكمى عند مرضى النوع الثانى بنسبة 2%، ويخفض الوزن بنسبة 15%، والمتوقع توافره عام 2025.
انتهت رسالة العالِم الكبير، أ. د. أسامة حمدى، الذي وعد ببذل الجهد من أجل إتاحة هذه الاكتشافات للمرضى المصريين، بسعر معقول، حينما تتوافر في الأسواق الأمريكية، وله منى كل التحية والتقدير