بحكم مهنتى، التى تتطلب الاحتكاك بعدد كبير من الناس فى كل بقاع مصر، أستطيع القول إن قطاعًا كبيرًا من المصريين قد أصبح يعانى القلق والاضطراب والخوف المصحوب بالغضب من ارتفاع تكلفة المعيشة فى الفترة الأخيرة، وهو أمر متوقع نتيجة ما أحدثته الجائحة الفيروسية، ثم تلتها الحرب الروسية الأوكرانية، التى لا يعلم إلا الله مداها وما سوف تنتهى إليه مع ما سبّبته من زلزال للاقتصاد العالمى الذى نحن جزء منه، والذى تأثرت به كل دول العالم.. ولكننى أتحدث اليوم عن أهل بلدى، الذين تحدث عنهم الرئيس السيسى فى منتدى شباب العالم الأخير وعن موقفهم من برنامج الإصلاح الاقتصادى قائلًا إنه قد راهن على الشعب المصرى والمرأة المصرية، وأيقن أن برنامج الإصلاح سوف يمر وسوف يتقبله ويتحمله الناس، ولو لم يحدث ذلك لكنا الآن فى كارثة كبيرة.. وبالفعل، فإن صبر المصريين كبير ولديهم قدرة هائلة على التحمل، وخاصة مع ثقتهم المطلقة فى رئيس الدولة وأهدافه الوطنية، ولكنهم بشر لهم طاقة احتمال فى نهاية المطاف، كما أن أبواق الشر من جماعة الإخوان الإرهابية وأعوانها الكامنين فى جحورهم تستغل هذه الأزمة لإشعال فتيل الغضب عبر وسائل الاتصال الاجتماعى والمنابر الهدّامة.. وقد سعدت بتحرك الحكومة مؤخرًا فى اتجاهات عديدة، ولكن الأمر يحتاج أكثر من ذلك.. ويمكن تلخيص أهم أسباب هموم الناس فى الآتى:
أولًا.. زيادة الأسعار:
1) زادت أسعار كل مستلزمات المعيشة الأساسية، فى وقت واحد، وبلا استثناء، وبطريقة عشوائية وبغير سبب منطقى، لأن الكثير منها لم يتأثر بعد بالأزمة العالمية.. ولكنه الجشع المقيت الذى ابتُلينا به من أغنياء الحرب من بعض التجار ومافيا الاستيراد، وهو للأسف ما عايشناه فى بداية الأزمة الفيروسية حين اختفت الأدوية الأساسية من الصيدليات وبيعت بعشر أمثالها للمريض المحتاج وكذا الكحول والكمامات وغيرها، ثم جاءت الحرب، فرفع الجميع أسعار كل شىء، وهم يعلمون جيدًا أن بضاعتهم الموجودة على الأرفف لم تتأثر إطلاقًا، ولكنهم تناسوا ضميرهم واستحلُّوا المال الحرام.
2) لم تتحرك وزارة التموين بالسرعة المطلوبة، فمن حقنا أن نرى مفتشى التموين الآن وليس غدًا فى كل مكان مُسلَّحين بالضبطية القضائية، مع توقيع أقصى العقوبات على المتلاعبين بأقوات الناس، وإعلان أسماء المستغلين فى كل وسائل الإعلام.
3) على وزارة التموين أن تقوم بواجبها بالاتفاق مع ممثلى التجار على منع أى ارتفاع فى الأسعار إلا بموافقة الوزارة، على أن تكون نسبة الربح لا ترهق المستهلك ولا تغبن البائع، وسحب تراخيص المخالفين.. وعليها أن تراجع سريعًا كل مراكز التجارة الكبيرة (المولات) للتأكد من عدم المغالاة فى الأسعار.
4) مضاعفة عقوبة إخفاء السلع أو تخزينها إلى أقصى حد باعتباره محاولة لتجويع المواطنين.
5) عدم المساس برغيف الخبز المصروف على بطاقات التموين بأى شكل، مع متابعة أسعاره فى المخابز لباقى المواطنين لتجنب الربح المُغالَى فيه.
6) تفعيل مشروع من الحقل إلى المستهلك فى جميع المحافظات لقطع الطريق على نهّازى الفرص وتقليل التكلفة.
7) عدم رفع أسعار الخدمات الحكومية فى هذه الظروف، ويكفى المواطن تحمل غلاء المعيشة.. وعلى المواطن أن يتكيف مع الظروف الطارئة بالاكتفاء بما يكفيه لمنع الهدر، وعلى المسلم الذى يستعد لشهر رمضان أن يتذكر جيدًا أنه شهر الامتناع عن الطعام والشراب وليس شهر التخمة والسمنة!.
8) على الدولة أن تركز على توفير الاحتياجات الأساسية للأماكن الأكثر احتياجًا فى الريف والصعيد، مع دعوة الموسرين منهم إلى المشاركة فى هذا العمل الوطنى.
9) أطالب الدولة بعدم زيادة ميزانية المواد الغذائية فى شهر الصيام الكريم، والاكتفاء بفكرة شنطة رمضان، التى يجب أن يتكفل بها كل مسلم قادر، وأن تصل إلى إخوتنا المحتاجين فى كل ربوع مصر.
ثانيًا.. الدروس الخصوصية:
يبدو أن الدروس الخصوصية قد دخلت مزاد الأزمة الاقتصادية لتزيد من قسوتها على المواطنين، الذين أصبح عليهم الاختيار بين تكلفة الطعام وتكلفة التعليم، التى أصبحت عبئًا ثقيلًا عليهم، وهم مُجبَرون عليه بكل أسف، فالكثير من المدارس تخلو من التلاميذ والمدرسين، وخاصة فى مرحلة الثانوية العامة، كما أن الكثير من المدرسين يجبرون التلاميذ على تلقى الدروس الخصوصية، وأقترح فى هذا الشأن أن تأمر الوزارة بنشر مجموعات التقوية فى كل المواد وفى كل المدارس، وتكون عقب انتهاء اليوم الدراسى، نظير تكلفة معقولة للمدرسين، تُدفع مناصفة بين الدولة وولى الأمر، ولا يقوم عليها إلا المدرس الملتزم بجدوله فى المدرسة تحت إشراف المنطقة التعليمية، مع الإغلاق التام لكل مراكز الدروس الخصوصية بحكم القانون.
ثالثًا.. تكلفة العلاج:
فى هذه الأوقات الحرجة، كان من المفترض أن تقوم المستشفيات الحكومية، التى تصرف عليها الدولة الملايين، بالدور الرئيسى لعلاج النسبة الكبيرة من المواطنين غير القادرين.. ولكننا ابتُلينا بفكرة تحويل المريض إلى لجنة طبية تحدد علاجه ثم ترسله إلى المستشفى الحكومى لأخذ العلاج على نفقة الدولة!. وتُصرف على ذلك الملايين سنويًا.. فى الوقت الذى تنفق فيه الدولة نفسها ملايين أخرى على تلك المستشفيات لتقديم الخدمة الطبية لذلك المواطن وغيره!، أى أن هناك هدرًا مزدوجًا من الميزانية المرهقة على نفس الغرض.. ورغم هذه المهزلة، يضطر الكثيرون إلى العلاج الخاص فى مستشفيات ومراكز وعيادات خاصة، لها كل الحرية فى التعامل مع المريض المغلوب على أمره.. والحل بسيط، وقد ناقشته فى مقالات سابقة لمَن يرغب فى الاستزادة.
رابعًا.. العدالة البطيئة:
العدل أساس الملك، وبقدر ما يتحقق العدل فى الدولة بقدر ما يتحقق لها الأمن والاستقرار. والعدالة البطيئة ظلم فادح، وما أكثر المواطنين الذين ينتظرون الحكم النهائى، والذين ينتظرون تنفيذ هذا الحكم بعد صدوره، وهو ما يتسبب فى قدر كبير من اليأس والألم والإحباط والغبن، وللأسف الشديد فقد كثرت الوعود بإيجاد حل لهذه المشكلة، ولكننا لا نزال نسمع أسبوعيًا عن جهود وزارة الداخلية فى القبض على آلاف الهاربين من تنفيذ الأحكام!، فهل هذا عدل؟!. وكلنا يعلم جيدًا أن عدم الاستدلال على مكان المتهم قد يكون مرتبطًا بتحايل أو رشوة أو تكاسل مُتعمّد أو غيرها من الأساليب غير الأخلاقية.. إننى أناشد السيد وزير العدل والسادة الأجلاء القضاة أن يتدارسوا هذا الأمر سريعًا لكى تحل مشكلة التأخر فى إصدار الأحكام وكذلك تنفيذها حتى يتحقق لنا جميعًا ما ننشده من العدل.