أولًا.. مريض السكر فى رمضان
فى البداية لابد من التذكير بخطورة مرض السكر، والتى تكمن فى أنه مرض خبيث- وليس ورمًا خبيثًا- بمعنى أنه غالبًا لا تكون له أعراض مقلقة فى بداياته، وأيضًا مع استخدام الدواء فى السنوات الأولى، وهو ما يجعل المريض يهمل أو ينسى قياس مستوى السكر لفترة طويلة باعتبار أنه لا يشتكى شيئًا، وأنه مستمر فى العلاج، وهذا خطأ جسيم لأن خطورة هذا المرض الحقيقية تكمن فى إصابة جدران شرايين الجسم كلها بدرجات متفاوتة جراء زيادة نسبة الجلوكوز بالدم لفترات طويلة، وبغير أعراض تُذكر، وهو ما يفسر حدوث المضاعفات الخطيرة التى نعلمها فى معظم الأعضاء.. ومن أجل ذلك اتفق المجتمع العلمى على أن يُسمح بالصيام لمريض السكر، فقط بعد دراسة حالته بعناية خلال الشهرين السابقين على الصوم، وذلك كالآتى:
1- مريض السكر من النوع الأول:
هذا المريض يفتقد إلى الأنسولين لأسباب جينية، ومن ثَمَّ يحتاج إلى حقن الأنسولين 4 مرات يوميًّا طوال حياته، ولذلك يُمنع من الصيام تمامًا من أجل المحافظة على نسبة السكر بالدم حماية لشرايينه.. وللأسف، يحاول بعضهم الصيام، وبعضهم يكمل صيامه، ولكنهم لا يدركون أن ذلك كله يسبب أضرارًا جسيمة على المدى الطويل، وقد يفقد البعض حياته نتيجة نقص السكر بالدم، وهو ما لا يُرضى الله سبحانه وتعالى، الذى قال فى كتابه الكريم فى آية الصيام: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، ويكفيه دفع تكلفة إفطار المحتاج.
2- مريض السكر من النوع الثانى:
هذا المريض عليه أن يناقش طبيبه قبل الصيام بشهر على الأقل للتأكد من انضباط مستوى السكر بالدم طوال الساعات الأربع والعشرين عند الحد المطلوب، وإذا كان من المعتمدين فقط على الحبوب المعالجة للسكر يقوم الطبيب المختص بتحديد الأنسب منها لشهر رمضان، والتى لا تسبب انخفاضًا سريعًا لمستوى السكر، والذى قد يؤدى إلى غيبوبة وقد يسبب الوفاة، كما أن هناك أنواعًا أخرى تؤدى إلى الإكثار من التبول، والذى قد يؤدى إلى الجفاف فى فترة الصيام، وإذا كان المريض يستخدم الأنسولين مع الحبوب، فعلى المريض أن يختار النوع الأمثل لمنع المضاعفات، أما مَن يستخدم الأنسولين فقط مثل النوع الأول فيجب ألا يصوم إذا كان يعانى نوبات ارتفاع وانخفاض فى مستوى السكر باستمرار، وفى جميع الأحوال يجب على مريض السكر الذى يصوم أن يتابع مستوى السكر بالدم فى الصباح وقبيل المغرب لتجنب ارتفاع أو انخفاض مستوى السكر، بالإضافة إلى ضرورة الاهتمام بوجبة السحور، (إذا كان مستوى السكر أثناء الصيام أقل من 100 أو أكثر من 250 عليه بقطع الصيام تجنبًا لأى مضاعفات).
3- حالات ما قبل السكر:
ويشمل ذلك كل مَن لديه استعداد للإصابة بالمرض مستقبلًا نتيجة وجود مقاومة من الجسم لمفعول هورمون الأنسولين، وتضم هذه المجموعة كل المصابين بالسمنة أو بارتفاع ضغط الدم أو زيادة نسبة دهون الدم والمدخنين ومَن سبقت لها الإصابة بسكر الحمل، ثم شُفيت.. مع وجود تاريخ عائلى للسكر فى كل هذه الحالات.. وهؤلاء جميعًا يمكنهم الاستفادة بشدة من الصوم، بل يمكنهم بعد ذلك استخدام نظام الصوم المتقطع بعد انتهاء الشهر الكريم للاستفادة من أجل تأخير أو حتى منع ظهور السكر بالمستقبل.. ويُشترط هنا لتحقيق هذا الهدف أن يلتزم الجميع بالإفطار الرمضانى الحقيقى، الذى يتفق مع فلسفة هذا الصيام، ويتذكر قوله تعالى فى قرآنه الكريم: (وكُلوا واشربوا ولا تُسرفوا إنه لا يحب المسرفين)، وكذلك قول رسولنا الكريم، عليه الصلاة والسلام: (ما ملأ ابن آدم وعاء شرًّا من بطنه.. بحسب ابن آدم لقيمات يُقِمْن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه)، وللأسف الشديد، فقد اعتاد الكثيرون منّا عكس ذلك تمامًا، وهو الذى تنتج عنه زيادة الوزن بعد انتهاء شهر الصيام!!.
ثانيًا.. الإعلام الرمضانى:
هذه الكلمات موجهة إلى السادة الأفاضل المسؤولين، لعلها تفيد فى صنع ما يناسب ويعبر عن شهر رمضان الكريم ويكون قدوة لغيره..
1- لماذ فُرض علينا الصيام؟.
يقول الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم: (يأيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، وكلمة التقوى مشتقة من الوقاية، وهى حفظ الشىء مما يؤذيه ويضره، وتعنى ببساطة التزام طاعة الله وطاعة رسوله، (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، كما أن البعض يتصور أن الصوم ينطبق على الطعام والشراب والجماع فقط، بل إن الشق الأهم هو الجانب النفسى والاجتماعى والأخلاقى الناتج عن الصيام، وهو هدوء النفس وحسن الخلق وعدم الأذى وتجنب الألفاظ الخارجة وغيرها من الموبقات.
2- هل يمكن للإعلام أن يعبر فى هذا الشهر عن هذا الهدف النبيل؟
بالتأكيد، نعم.. وخاصة فى مثل هذه الظروف الصعبة التى نعيشها، والتى أثرت بكل أسف على أعصاب المواطنين، وأثارت بعض الخوف والقلق والغضب، وهو ما يستدعى التذكير بآيات الله (إن الله مع الصابرين) و(فاصبر إن العاقبة للمتقين) و(فإن مع العسر يسرًا إن مع العسر يسرًا)، مع زيادة جرعة القرآن الكريم وتفسيره بلغة سلسة تصل إلى الجميع..
3) وماذا عن الترويح عن النفس؟
بكل تأكيد لابد من توفير ما يشرح النفس ويثير البهجة والسرور بعد انتهاء فترة الصيام، ولدينا، والحمد لله، الكثير من الكنوز فى هذا المجال، ولكنه حتمًا يجب ألا يكون من خلال برامج للنميمة والحديث عن الحياة الخاصة للناس ولا البرامج التى تؤذى الذوق السليم وتمتلئ بالألفاظ النابية وكذلك المسلسلات التى تذاع فى قنوات غير رسمية وتحفل بالكثير من مشاهد القتل أو المشاهد غير اللائقة كما أن لدينا مخزونًا عظيمًا من الموسيقى والغناء والطرب الأصيل..
وتبقى ملحوظة مهمة بشأن ما اعتدنا عليه للأسف الشديد من تزاحم عدد كبير من المسلسلات فى هذا الشهر الكريم أكثر كثيرًا من أى شهر من شهور العام، وهو أمر غريب وغير مبرر على الإطلاق، فيجب ألّا يرسخ فى أدمغة شبابنا أنه شهر المسلسلات!، التى يمكن تقسيمها على كل شهور العام.. وكذلك، فهناك عادة لا تتفق مع هذا الشهر الفضيل إطلاقًا، وهى تقليل فترات الدراسة فى المدارس والجامعات، وتقليل مدة العمل فى معظم أماكن العمل، وكأنه أصبح شهرًا للنوم والكسل وقلة الإنتاج، وهو ما يتنافى تمامًا مع فلسفة الصيام وتنقية النفس وترسيخ الجانب الأخلاقى للإنسان، فهو الشهر الذى شهد أشهر المعارك والفتوح عبر السنين، ومنها غزوة بدر الكبرى ويوم أذّن بلال على الكعبة عند فتح مكة وموقعة حطين وغيرها، ويكفينا مثالًا فى العصر الحديث نصر أكتوبر العظيم عام 1973 على الكيان الصهيونى المحتل.. وأطالب الحكومة بالتأكيد على هذه الحقائق، وخاصة فى هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، ومَن يشعر بعدم قدرته على العمل بالفعل مع الصيام فلا داعى إلى صيامه، مع تعويضه لاحقًا عند الاستطاعة، (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، وليتذكر قول رسولنا الكريم، عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نَوَى)