أستطيع القول، من واقع خبرتى الطويلة فى ممارسة الطب ومعايشة المرضى، إن المعاناة الكبيرة التى تواجه المريض المصرى وخاصة فى الفترة الأخيرة مع الأزمة الاقتصادية العالمية، هو أمر يحتاج إلى الاهتمام ونحن على أعتاب الجمهورية الجديدة، فالكثير من المرضى للأسف يلجأون الى العيادات الخاصة مع ضعف إمكانات المستشفيات الحكومية، وهناك من يلجأ إلى ما يُسمى بالعلاج على نفقة الدولة، الذى سوف أناقشه بعد قليل، وكذلك الاحتماء بالمبادرات الرئاسية فى شتى فروع الطب والتى تعتبر أهم ما أُنجز فى مجال الرعاية الصحية.. ومع شدة الأزمة الاقتصادية لجأ بعض الزملاء الأطباء إلى زيادة أسعارهم، وهو ما أثر على المريض البسيط الحال، ناهيك عن نقص بعض الأدوية فى السوق مع زيادة أسعارها واستغلال قلة من الصيادلة أزمة الدواء لتخزينه وزيادة سعره والاستعانة بالأدوية المستوردة أو المهربة وبأسعار عالية، وأضف إلى ذلك التكلفة الباهظة عند اللجوء إلى المستشفيات الخاصة، وخاصة فى مجالات الجراحة والأورام الخبيثة التى تزيد من معاناة غالبية المرضى.. وسوف أتحدث اليوم باسم المريض المصرى عن بعض ما يعانيه فى مجال الرعاية الصحية على أرض الواقع، بعيدًا عن أى أرقام أو إحصائيات:
1) العلاج على نفقة الدولة
كنت قد أعلنت رأيى منذ سنوات برفضى القاطع لما يسمى بالعلاج على نفقة الدولة الذى يستنزف ميزانية العلاج التى لابد من توجيهها لتحديث ومساعدة المستشفيات الحكومية على أداء مهمتها؛ فالدولة وبحكم الدستور هى المسؤولة عن علاج المريض المصرى مجانًا فى هذه المستشفيات، حيث يتجه إليها مباشرة للعلاج وليس كما يحدث معه الآن من إرهاق وإهانة وتأخير زمنى، لكى يحصل على بعض المال المخصص له للعلاج فى المستشفى الحكومى!، وهو إجراء لا مثيل له فى العالم. وقد وصلتنى منذ أيام رسالة من أحد المواطنين البسطاء من أبناء الصعيد الذى يعانى من مرض السكر من النوع الأول منذ 20 عاما ويعيش على الأنسولين: (ذهبت للحصول على قرار بالعلاج على نفقة الدولة فى مستشفى القاهرة الجديدة فى التجمع الخامس حيث أعمل، ومعى ما يفيد بحالتى الصحية واعتمادى على الأنسولين أربع مرات يوميًا، وبعد انتظار لمدة أسبوعين سألت عن القرار، فكانت المفاجأة بأنه قد صدر بمبلغ 1200 جنيه لمدة 6 أشهر!!- أى 200 جنيه شهريًا- على أساس أن علاجى يتم عن طريق الحبوب!! وعند ذهابى إلى الصيدلية أخبرنى الصيدلى بأنه قرار خطأ ويلزم الرجوع إلى موظفة الخدمة الاجتماعية المسؤولة عن القرار التى نظرت لزميلتها وكانت قد قالت لها اكتبى فى القرار هو سكر من النوع الثانى!! فلما واجهتها قالت إنه يمكن تغيير القرار، ولكن نحتاج لإمضاء من مدير العلاج على نفقة الدولة، ثم من مدير المستشفى لوضع خاتم النسر! وبعد عدة مشاوير عادت الورقة إلى موظفة الخدمة الاجتماعية التى أخطأت أولًا لكتابة الرقم القديم وقالت إنها سوف تستعجل صدور القرار. وبعد أسبوع لم يصدر القرار، ثم صدر بعد عدة أيام وفوجئت بأنه بنفس المبلغ السابق ذكره، ولكنه يتضمن حقن الأنسولين الذى بالقطع لن يكفى أكثر من أسبوعين، فماذا أفعل؟).
ولكم أن تتصوروا مثل هذا المريض وغيره المعرض فى أى لحظة للإصابة بغيبوبة السكر التى قد تودى بحياته بسبب هذا التهاون والإهمال.. وندائى للصديق العزيز د. أشرف حاتم، رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، كى يفتح هذا الملف بأقصى سرعة لوقف مشاكل العلاج على نفقة الدولة، وهو العلاج الذى يفترض أنه يتم عند لجوء المريض إلى أقرب مستشفى مباشرة كما هو الحال فى العالم من حولنا بغير وسيط..
2) نقص الدواء
تعاملت الدولة بسرعة مع أزمة نقص الأدوية بسبب مشكلات الاستيراد، ولكن يبدو أن هناك البعض يحاول انتهاز الفرصة لتعميق الأزمة أو للكسب الحرام؛ فهناك دواء شديد الأهمية لمرضى زيادة نشاط الغدة الدرقية يعانى من نقصه أعداد كبيرة ولا يجدون أمامهم إلا المستورد أو المهرب بأضعاف ثمن الدواء المصرى، وللأسف الشديد لم يتطوع مسؤول واحد فى هيئة الدواء أو وزارة الصحة لتفسير ما يحدث، كما أخبرنى أحد مرضاى بأنه ذهب لاستلام علاجه من السكر وهو الأنسولين من مستشفى المقطم، فلم يجد سوى نوع واحد من الحبوب الذى لا يفيد فى علاج هذا المريض!!.. وسألنى: إلى من أشكو؟.. وللأسف الشديد فقد استمعت إلى حديث د. على عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، فى إحدى القنوات الفضائية وهو يتحدث عن أسباب نقص بعض أنواع الأنسولين قائلًا إنه بسبب تهافت الكثيرين على استخدام الأنسولين من أجل نقص الوزن!! وأتصور أنه قد خانه الكلام، فالأنسولين هو أحد أهم هورمونات النمو وليس التخسيس كما قال، ولذلك يلاحظ مريض السكر بعض الزيادة فى الوزن بعد استخدام الأنسولين، وأعتقد أنه كان يقصد بعض الأدوية الجديدة الخاصة بالسكر والتى تساعد فى خفض الوزن وتعطى عن طريق الحقن تحت الجلد ولكنها ليست بديلًا عن الأنسولين ولكن تعطى فقط لمن يستخدمون الحبوب لعلاج السكر.. ولذلك أطالب بضرورة توفير جميع أنواع الأنسولين لمرضى السكر لأهميته القصوى لهم..
3) مشروع قانون إنشاء المنشآت الطبية الخاصة
فوجئنا منذ أسابيع قليلة بصدور مشروع قانون المنشآت الصحية الخاصة من وزارة الصحة بعد دراسة دامت لأكثر من 8 شهور ولم تهتم الوزارة بأخذ رأى نقابة الأطباء- الممثل الشرعى لكل أطباء مصر -وهذا وحده كاف فى رأيى لرفض هذا القانون ولكنى سوف أناقش بعض ما جاء فيه:
- يتضمن القانون ضرورة وجود مدخل خاص لكل منشأة صحية ويطبق ذلك بأثر رجعى! وهذا يعنى ببساطة إغلاق كافة المنشآت الصحية الخاصة التى وللأسف الشديد تقوم بأغلب الخدمات الصحية فى الدولة..
- يجب إلزام الأطباء بالقطاع الحكومى بالحصول على موافقة جهة العمل على عملهم فى المنشأة الخاصة، وهو ما سيؤدى بسهولة إلى تقدمهم بالاستقالة من عملهم الحكومى، ثم هجرتهم إلى الخارج، وهى إضافة كارثية لمشكلة نقص الأطباء المستحكمة..
- إعادة ترخيص المنشأة الصحية كل 5 سنوات!! وهو أمر مريب وغير مفهوم ولا يهدف إلا إلى استنزاف الأطباء بغير حق، خاصة أن هناك إدارة خاصة بوزارة الصحة للعلاج الحر يمكنها مراقبة أى منشأة للكشف عن الأخطاء.. ثم لماذا فقط التركيز على المنشآت الطبية؟!
- يتضمن القانون عقوبات على أخطاء ومخالفات إدارية بالغرامة والحبس، وبالطبع فنحن معشر الأطباء نرفض رفضًا باتًا عقوبة الحبس فى الأخطاء الإدارية..
- وضع رسوم باهظة كرسوم عند إنشاء العيادة الخاصة، ونحن نعلم أن الطبيب المصرى يتقاضى أقل مرتب بين أطباء العالم كله..
ثم تبقى الملاحظة الأهم.. كيف يمكن لوزير الصحة أن يصدر قانونًا يخص الأطباء بغير الرجوع إلى نقابة الأطباء؟ وهل الوضع العام للأطباء فى مصر يسمح بالمزيد من التعنت مع هذه الفئة التى حملت وتحمل عبء علاج الملايين من أبناء الشعب؟!
4) التعامل مع النزلات الفيروسية
تعجبت بشدة من تصريح المتحدث باسم وزارة الصحة على إحدى الفضائيات وهو يصر بقوة على عدم وجود حالات الفيروس المتحور الجديد فى مصر!! وكأنه يحاول أن يبرئ الوزارة من تهمة دخول الفيروس إلى مصر؟! وكان عجبى أشد من تصريح مماثل للسيد الوزير شخصيًا للصحف بهذا الأمر، فى الوقت الذى نعايش فيه جميعًا حالات كثيرة من الإصابة الفيروسية يوميًا (أعلنت الوزارة مؤخرًا عن اكتشاف حالتين من الفيروس المتحور)، ولا يمكن بالطبع أن نقوم بتحليل يقطع بوجود الفيروس فى كل مريض، ولكن الملاحظ محليًا ودوليًا أن هناك زيادة متوقعة فى هذا التوقيت من نزلات برد فيروسية مختلفة الأنواع، ولكنها بفضل الله فى معظمها لا تؤدى إلى دخول المستشفيات أو الرعاية المركزة.. وكنت أتمنى أن تكون رسالة وزارة الصحة وكل وسائل الإعلام هى التركيز على ضرورة ارتداء الكمامة فى كل التجمعات وعدم السماح بأى تجمعات لا تلتزم بارتدائها، لأنها الوسيلة الأمثل لمنع انتشار العدوى، خاصة مع التنبيه بأن هذه الفيروسات سريعة العدوى وخاصة فى الأطفال