بقلم - صلاح الغزالي حرب
اعتدت، منذ سنوات طويلة، الكتابة غير المنتظمة فى معظم الصحف المصرية، معلقًا على الأحداث أو مُبديًا لرأى أو متسائلًا عن أمر أو منتقدًا لشىء.. متأثرًا بوالدى الراحل العظيم الغزالى حرب، الذى كان يكتب كثيرًا فى الصحف المصرية والعربية وله صولات وجولات مع عمالقة الكتابة فى هذا الزمن، ومنهم العقاد وأحمد بهاء الدين وسلامة موسى والحمامصى وكامل الشناوى وغيرهم من العظماء، كما كان شاعرًا موهوبًا أتذكر له قصيدة نشرتها «الأهرام» يناجى فيها فراخه الصغار- يقصد أولاده الصغار- من وراء القضبان، بعد اعتقاله فى عصر الزعيم عبدالناصر لكتاباته الحرة، كما أنه حاصل على جائزة المجمع اللغوى عدة سنوات متتالية.. ولم يخطر ببالى أن أكتب بصورة منتظمة لانشغالى بمهمتى الرئيسة، وهى الطب، على العكس من شقيقى الحبيب د. أسامة، الذى يمتهن مهنة الصحافة والسياسة بحكم تخصصه، وله عمود يومى بجريدة الأهرام.. ولكن شاءت الأقدار أن يتصل بى أخى العزيز، الأستاذ حمدى رزق، وقت أن كان رئيسًا للتحرير، ويطلب منى التفكير فى كتابة منتظمة فى «المصرى اليوم»، وكان اعتذارى سريعًا لعدم استعدادى لهذه المهمة، وطلب منى إعادة التفكير، وبالفعل ومع ارتباطى الروحى بجريدة المصرى اليوم ومالكها الفاضل الكريم، المهندس صلاح دياب، وافقت، وخاصة بعد تقليص نشاطى الجامعى مع الإحالة إلى المعاش، وبدأت رحلة المقالات الأسبوعية هاويًا وليس محترفًا، وجعلت اهتمامى بالشأن العام وما يخص المواطن المصرى، وخاصة فى المجال الصحى، هو الهدف من كتاباتى، وتذكرت تاريخى مع منظمة الشباب الاشتراكى فى عهد الزعيم الراحل عبدالناصر وكيف كنا ونحن فى السنة الأولى بطب القاهرة نقوم بكنس تراب أرض الكلية بمنتهى الهمة والسرور بعد انتهاء العمل، وكيف كنا نتفرغ بعض الأيام لمحو أمية بعض العاملين فى الوظائف المعاونة بالكلية، بالإضافة إلى المداومة على الاجتماعات القاعدية، كما كانت تُسمى، ومناقشة الشأن العام ومدى رضا المواطنين فى الشارع المصرى.. وهكذا بدأت رحلتى التى بالفعل تستنزف الكثير من الوقت والجهد والصحة من أجل إصلاح أحوال المواطن المصرى وتنبيه المسؤول إلى بعض الملاحظات أو الاستفسار عما يشغل بال المواطن والتركيز على مشاكله فى التعليم والصحة وقضاياه الحياتية بعيدًا عن أى إساءة إلى أحد من منطلق أننا بشر ولسنا ملائكة.. ومع مرور السنوات بدأت أشعر أن كتاباتى- وإن كانت مقبولة أو مقروءة من البعض- فإنها لم تؤتِ ثمارها وتنعكس على أحوال المواطن كما كنت أتمنى، ولم تسفر عن نتائج إيجابية تعادل المجهود المبذول.. وبدأت أراجع بعض ما تحدثت عنه من مشاكل واقتراحات واستفسارات لمراجعة النفس فى الشهور الأخيرة هذا العام، واليكم بعض الأمثلة:
1) فى 16 مايو: طالبت بوضع حد لفضيحة الأمية ونحن فى القرن الثالث والعشرين، والتى من المفترض- قولًا- الإعلان عن خلو مصر منها بحلول 2030، وطالبت وزارة الثقافة بإعادة الحياة والأضواء فى كل مراكز الثقافة على مستوى الجمهورية.. ولم يتحرك أحد!.
2) فى 20 يونيو: توجهت بالنداء إلى وزير الإدارة المحلية ومحافظ القاهرة ومسؤولى حى المعادى لوضع حد للإهمال والقذارة التى أُصيبت بها هذه الضاحية المظلومة، واتصل بى أحد مسؤولى الحى واجتمع مع أ. د نعمت قاسم، صاحبة الشكوى، ولم يحدث أى تغيير يُذكر فى هذه الضاحية الجميلة!، ومن ملاحظاتى أن بعض المحافظين لا يقرأون الصحف ولا يكترثون، وهو أمر- إن صح- مرفوض وغير مقبول لمسؤول من أهم مسؤولياته التواصل مع أبناء المحافظة.. ويكفى مثالًا لذلك فى القاهرة والإسكندرية كثرة حالات انهيار المبانى وما ينتج عنها من عواقب مؤسفة من موت وتشريد للكثير من الأسر والاكتفاء بمبلغ من المال لا قيمة له فى هذه الظروف، فى حين أننى وكثيرين غيرى طالبنا بفتح تحقيق موسع مع الأجهزة المحلية المسؤولة والإعلان عن النتيجة للرأى العام، فالفساد والإهمال ينخران فى الكثير من هذه الأجهزة، ولا تزال العمائر تقع على رؤوس قاطنيها!، وفى محافظة الجيزة طالبت أكثر من مرة محافظها بأن ينزل بنفسه إلى شارع الدقى عند منزل الكوبرى فى اتجاه الأورمان ليرى بعينيه مهزلة مافيا الميكروباصات بأنواعها، التى تحتل منزل الكوبرى، وتعوق المرور بشدة، على مرأى ومسمع البعض، أو يذهب إلى جدار المركز القومى للبحوث، الذى تحول للأسف إلى سوق شعبية لا ضابط لها!، وتساءلت: لماذا يبقى المسؤول التنفيذى فى موقعه إذا لم يكن قادرًا على القيام بمهمته؟!.. ولم يتحرك أحد.
3) فى 27 يونيو: تحدثت باستفاضة عن ضرورة إصلاح المنظومة الطبية، التى تشمل التعليم الطبى وكارثة هجرة الأطباء وأعضاء هيئة التمريض وفوضى مهزلة العلاج على نفقة الدولة، التى تستنزف الميزانية، والتى هى بحكم الدستور وظيفة المستشفيات الحكومية، وتحدثت كذلك عن بعض أوجه القصور فى مشروع التأمين الصحى الشامل، لم نسمع صوتًا لوزير الصحة، واكتفى بتكليف المتحدث باسم الوزارة بأن يُذكرنى بالمبادرات الرئاسية فى مجال الصحة، والتى أشدت بها أكثر من مرة باعتبارها الإنجاز الوحيد فى مجال الصحة، للأسف الشديد.
4) فى 4 يوليو: تحدثت عن ضرورة النظر فى تصرفات بعض الوزراء، وضربت مثلًا بمرور وزير التعليم على لجان الامتحان وما يسببه ذلك من توتر وقلق وتشتيت وضوضاء للطلاب، وكذلك مرور وزير الصحة
(المفاجئ!) على بعض المستشفيات أثناء العمل وتوقيع العقوبات علانية!، وللأسف لم يتغير شىء!.
5) فى 11 يوليو: طالبت بوضع حد لظاهرة هجرة الشباب المصرى إلى الخارج والتضحية بحياتهم، وطالبت بمحاسبة المسؤول ومعه الأجهزة المحلية، ولم يحاسب أحد!.
6) فى 8 أغسطس: خاطبت وزير التعليم بوضع حد لتصرفات الكثير من المدارس الحكومية، التى تطالب أولياء الأمور بمبالغ مُغالى فيها رغم دستورية مجانية التعليم، وهو ما أدى إلى إحجام البعض عن المدرسة لضيق ذات اليد.. ثم فوجئت بعد مقالى بأسابيع بقرار السيد الوزير بتحديد المبالغ المفترض دفعها للالتحاق بالمدرسة، بعد أن دفعت الأغلبية كل ما لديها، فكيف يمكن استرداد هذه المبالغ من المدرسة؟، ولماذا لا تُحاسب المدارس التى سرقت أولياء الأمور، ولماذا تأخرت تعليمات الوزارة؟. وبالطبع لم أجد ردًّا!، ومع سعادتى بالقرار الأخير الخاص بالزى المدرسى والحجاب والنقاب، والذى تأخر كثيرًا، فإنى أطالب السيد الوزير بمنع ارتداء المدرسة أو أى موظفة بالمدرسة للنقاب، والأمر ينطبق أيضًا على المستشفيات وكل المراكز الصحية، كما أن الحجاب يجب أن يُمنع تمامًا فى المرحلة الابتدائية فى جميع المدارس، ويُسمح به من المرحلة الإعدادية بعد موافقة الفتاة بإرادتها الحرة، وفى نفس هذا المقال خاطبت المسؤول عن هيئة المجتمعات العمرانية ووزير الإسكان بما يحدث فى القاهرة الجديدة وعدم تعاون رئيس المدينة والمسؤول عن توزيع المياه وفوضى المرور وغيرها، ولكن يبدو أنهم ممن لا يتعاملون مع الصحافة!.
هذه بعض الأمثلة القليلة من المقالات التى استنفدت الكثير من الصحة والجهد العقلى والنفسى- علمًا بأننى لا أتقاضى مليمًا واحدًا باعتبارى هاويًا- ولكنى أردت المشاركة بالرأى والفكرة والانتقاد والتساؤلات والحلول من أجل مستقبل أفضل لبلادنا، ولكن يبدو أننا لم نتعلم الدرس، فاختيار بعض المسؤولين فى المحليات، منذ سنوات طويلة، لا يتم بالأسلوب العلمى، ولنكن صرحاء مع أنفسنا، فإن بعض مَن يتولون تلك المسؤوليات ليست عندهم خبرة ولا أفكار جديدة ولا اهتمام بالشأن العام، وهو ما ننتظره فى الفترة القادمة شديدة الحساسية. وأستطيع القول بكل صراحة إن هناك الكثير من الكُتاب والمفكرين المتميزين والمحترفين، الذين اعتراهم اليأس من الكتابة واختاروا العزلة أو الكتابة فى أمور هامشية لا طائل منها نتيجة التجاهل الرسمى.
إلى كل مَن يهمه الأمر.. نحن أدينا- وسوف نستمر إن شاء الله فى أداء- واجبنا الوطنى من أجل رفعة هذا الوطن، ونأمل وندعو الله أن يفيق الغافلون، وينسحب المتكاسلون قبل فوات الأوان.. وتحيا مصر