كنت قد ذكرت فى أكثر من مقال أن هناك فارقًا زمنيًّا كبيرًا بين الرئيس السيسى وبين الكثير من المسؤولين فى مصر.. ناهيك عن حالة الموظفين، الذين يتعاملون مع المواطنين فى معظم الإدارات الحكومية، (كسل.. عدم اكتراث.. تعمد التعقيد.. التأخير.. وثمن الشاى!).. وحيث إنه من غير المعقول ولا المقبول أن نُحمل كل هذه المسؤولية على أكتاف الرئيس وحده، وهو الذى تحمل مسؤولية إنقاذنا من كابوس جماعة الشر، كما تحمل مهمة التخلص من الإرهاب الأسود الذى عانينا منه سنوات طويلة، فمن المنطقى أن يكون كل مسؤول فى كل إدارات الدولة على قدر المهمة التى كُلف بها، وعلى الرغم من وجود أمثال هذا المسؤول بيننا، فإن الكثيرين منهم لا يستطيعون مجاراة الرئيس فى القدرة والسرعة والتصميم، ولا يرجع ذلك إلى عدم الكفاءة، بل يعود
إلى طريقة وفلسفة اختيار المسؤول، وهو ما يجب أن يتغير جذريًّا، ونحن على أعتاب الجمهورية الجديدة، فمصر مليئة بالكفاءات فى كل المجالات فى الداخل والخارج، وهم جميعًا على استعداد لأداء المهمة من أجل وطنهم، ولا أدرى لماذا أهملت الدولة اقتراح د. محمود عمارة، رجل الأعمال المصرى اللامع، منذ سنوات، بإنشاء بنك للكفاءات فى كل المجالات، ويتم الاختيار من بينهم، وخاصة ممن له تاريخ سياسى وقدرة على التواصل مع الناس والابتكار والعمل الجماعى والحزم والحسم.
واليوم، وبعد أن قال الشعب كلمته، وطالب بإعادة انتخاب الرئيس السيسى لفترة قادمة، أتصور أن من المهم أن يكون تركيزنا جميعًا- نحن أصحاب الرأى- على أحوال المجتمع المصرى، والتى بكل أسف ساءت كثيرًا، وتحتاج إلى ثورة اجتماعية تصحيحية، تتلخص فى عرض وتحليل المشكلة، مع وضع المقترحات المناسبة لحلها، ثم عرضها على المتخصصين فى كل مجال لوضع خطة التنفيذ، تحت رعاية مؤسسة الرئاسة، وبذلك نكون قد أسهمنا فعلًا لا قولًا فى إعادة بناء المجتمع المصرى الأصيل قبل فوات الأوان، وسوف أبدأ اليوم هذه المبادرة بقدر استطاعتى بالإسهام فيها من أجل إصلاح المجتمع وراحة المواطنين.
أولًا.. فوضى المرور والشارع:
هناك بكل تأكيد طفرة كبيرة فى مجال النقل نلمسها جميعًا، وخاصة فى الطرق والكبارى، التى شهدت ثورة فى كل المحافظات، والتى أسهمت فى سهولة حركة المواطن وكذا النشاط التجارى، ناهيك عن التطوير الملحوظ فى مجال السكة الحديد والموانئ وغيرها.. ولكن تبقى لدى المواطن عدة ملاحظات:
1) مع زيادة، وتوسيع الحارات المرورية، فى الكثير من الطرق المهمة، بدأت تكثر الحوادث الفادحة نتيجة السرعات الجنونية، وهو ما يتطلب سرعة نشر عدد كافٍ من الرادارات، مع إعداد عدد من سيارات المرور الصغيرة، فى أماكن متفرقة ومتحركة، لضبط المخالفين لحظيًّا، مع تغريمهم غرامة كبيرة، لا تقل عن خمسة آلاف جنيه، مع سحب الرخصة لمدة 6 أشهر، عند تكرار المخالفة، وعلى الرادارات أن ترسل رسالة لحظية إلى المخالف، مع تغريمه فى خلال يومين، وإعادة تأهيله فى مدارس القيادة، عند التكرار، وهو النظام المتبع فى كل الدول المتحضرة.
2) مطلوب الاهتمام بإضاءة هذه الطرق ليلًا بكل الطرق المعروفة، فمازالت طرق كثيرة وجديدة تفتقر إلى هذه الإضاءة، مما يسبب حوادث كثيرة.
3) يجب ألّا يُسمح بالمرور فى الطريق الجديد إلا بعد الإعداد الجيد لكل اللافتات الإرشادية المطلوبة، الواضحة، والموضوعة فى المكان المناسب، حسب تعليمات هندسة المرور.
4) طبقًا لفقه الأولويات اقتصاديًّا، أقترح التوقف مؤقتًا عن إنشاء الكبارى، والتركيز على إنشاء أسطول سيارات نقل عام حديثة، فى كل محافظات مصر، بحسب الاحتياج، مما يشجع المواطن على استخدامها بديلًا عن استخدام السيارة الخاصة، والذى يقلل من التلوث البيئى، مع تكليف إدارة هندسية حديثة ومتخصصة لإدارة هذا المرفق المهم، ووضع نظام دقيق ومحكم لأماكن السير والوقوف، وأسعار التذاكر، مع مراقبة جادة لقواعد السير، وتشديد العقوبات على المخالفين، تحت إشراف مباشر لكل محافظ.
5) بالاتفاق مع كل المحافظين، أطالب بإنشاء هيئة عامة لإدارة سير الميكروباصات بكافة أنواعها، التى أصبحت تعيث فى الأرض فسادًا، ولا تعبأ بالقانون، وتكون تحت الإشراف المباشر للمحافظ، مع تحديد دقيق لأماكن الوقوف، وخط السير، والتسعيرة المقررة فى مقدمة السيارة، والاستغناء تمامًا عن مساعد السائق، الذى يُوقف السيارة مناديًا على الركاب بصورة غير حضارية ولا مقبولة، مع ضرورة إجراء فحص دورى شامل لكل السائقين نفسيًّا وعصبيًّا، وتحليل المخدرات، وكذا مراجعة رخصة القيادة.
6) أتمنى زيادة الاهتمام بالنقل النهرى، الذى يقلل العبء على الكثير من المواطنين.
وتبقى أخيرًا ملاحظة مهمة، وهى تتعلق بدور وزارة الداخلية فى هذا المجال، وهو عبء ثقيل يُضاف إلى مهامها الوطنية، وأقترح أن يقتصر دورها على مراجعة تراخيص القيادة، ومراقبة مخالفى المرور، مع إنشاء هيئة هندسية لها فروع فى كل محافظة، بقيادة أساتذة هندسة الطرق، وعليها رسم خريطة تحدد مسارات المركبات، وأماكن عبور المشاة، وتخطيط الشوارع بكل دقة، ويتطلب ذلك كله إعادة النظر فى قوانين المرور، التى يجب أن تكون حازمة وقوية من أجل وضع حد لمهزلة المرور الحالية، ووقف دماء المواطنين على الأسفلت.
ننتقل الآن إلى حال شوارع مصر، فالمعروف أن حال الشارع هو مرآة المدينة ومؤشر حضارتها وتقدمها، وللأسف الشديد، أستطيع القول إننا فشلنا لسنوات طويلة فى التمكن من ترسيخ مبدأ احترام هذا الشارع، والأمثلة كثيرة، ومنها إهمال الأرصفة، وإلغاء الكثير منها عنوة، مما أجبر المواطن على السير فى نهر الشارع، مع ما يُعرضه للخطر والأذى، فى حين استولت عليها بعض المحال وبعض تجار الشارع غير المرخصين، وذلك فى غيبة تامة- أو لنقل تغافل- من الأجهزة المحلية، وهناك ظاهرة عدم احترام قوانين المرور، وعدم تخطيط الشوارع تخطيطًا يجبر بالقانون على احترام قواعد السير، وهناك أيضًا فضيحة إهمال النظافة، وهى ظاهرة مُهينة لا تليق بمصرنا، ناهيك عن التسول والمتسولين وغيرها من الملاحظات. وللأسف الشديد، لن يمكن القضاء على هذه الظواهر إلا بعد إجراء الانتخابات المحلية فى أسرع وقت، بعد أن طال غيابها فى ظروف غامضة!، ولذلك أطالب بسرعة الانتهاء منها فى أسرع وقت، مع وضع قواعد صارمة للاختيار، وأقترح أن يكون المحافظ من أبناء المحافظة لتسهيل مهمته وتسريع العمل، كما يجب أن تتوافر للجميع مواصفات تتناسب مع الجمهورية الجديدة، ولا تخضع للواسطة، ولا للاختيارات الأمنية، ولا تكون مكافأة لنهاية الخدمة، كما كان يحدث، بل تشمل الكفاءة والقدرة والأمانة والخبرة والحس السياسى والابتكار، مع المتابعة المستمرة والدورية للإنجازات المطلوبة من المحافظ، ومنها توفير فرص العمل، والقضاء على السلبيات، مثل عادات ختان الإناث، والثأر، والهروب من المدرسة، وزواج الأطفال، وعدم الالتزام بتنظيم الحمل، وغيرها.
يحدث فى القاهرة الجديدة:
يبدو أن بعض المسؤولين عن المدن الجديدة لا يكترثون بما يحدث فى هذه المدن، التى أقامتها الدولة من أجل راحة المواطنين، وتخفيف العبء عن المدن القديمة، فى حين أن الشكاوى تتوالى فى أجهزة الهواتف من المواطنين ليل نهار، ولا مجيب!، وسوف أتحدث، اليوم، فقط عن مدينة القاهرة الجديدة، بحكم إقامتى فيها، كمثال لمدن أخرى، مع الأسف.. فالمرور شبه غائب، وعبور المشاة نوع من المغامرة القاتلة، فلا وجود لقواعدها، والميكروباصات تتحرك فى كل اتجاه، بلا رادع من قانون، والنظافة مهملة، ولافتات الإضاءة الضخمة ذات النور المبهر تؤذى العينين بلا رقيب، ثم هناك الظاهرة الخطيرة، التى يشكو منها الكثيرون، وهى كثرة انقطاع المياه، وهو أمر مرفوض وغير مقبول ولا مفهوم فى مدينة جديدة!، وأسوأ ما فى الأمر أن كثيرين قد حاولوا الاتصال برئيس المدينة، أكثر من مرة، ولم يستجب، كما اتصلوا بالمسؤول عن انتظام اندفاع الماء، ولم يتحرك، وهو ما يتطلب تحقيقًا سريعًا فى هذا الموضوع المهم، وأطالب بعزل كل مسؤول غير قادر على إنجاز مهامه، وأهمها التواصل مع المواطنين والشفافية والصراحة.. فنحن نعلم بوجود عيوب خطيرة فى شبكات المياه والمجارى منذ إنشاء المدينة، ولا أدرى ماذا تم لإصلاحها، وندائى إلى الوزير المسؤول، المهندس عاصم الجزار، وإلى هيئة المجتمعات العمرانية لوضع حد لهذه المتاعب، وتحديد المسؤولية، التى يقول البعض إنها مرتبطة بعيوب أخرى فى شبكة الكهرباء، فأين الحقيقة؟