(الاعتراف بالفشل هو أول طريق للنجاح والنجاة)، هذا هو عنوان مقالى الذى كتبته بـ«المصرى اليوم» فى يوليو ٢٠٢٢، لكن يبدو أن الرسالة لم تصل إلى من يهمه الأمر!، مما أكد لى أن الحكومة قد فشلت بالفعل فى ضبط الشارع المصرى وضبط سعار الأسعار، ولذلك أتوجه اليوم بالرسالة إلى السيد رئيس الوزراء، د. مصطفى مدبولى، بعد اجتماعه المشكور مع مجموعة متميزة من المفكرين والكتاب وذوى الخبرة فى مختلف التخصصات، عسى أن تكون الرسالة مقدمة لوضع حد لهذه الفوضى التى أصبحت تهدد السلم والأمن فى مصر.
أولا.. فوضى الشارع المصرى
انتظام المرور واحترام السير فى الشارع هما من علامات تحضر الأمم ومن محفزات السياحة فى العالم وللأسف الشديد ونحن نبنى الجمهورية الجديدة يمكن القول بأن الشارع المصرى تسوده الفوضى والعشوائية منذ سنوات، فقد اختفت الأرصفة فى شوارع كثيرة بعد احتلالها بالمقاهى والكافيهات وبالباعة الجائلين وتراكم القمامة، وأصبح المواطن مجبرا على السير فى نهر الشارع مع ما يحمله ذلك من مخاطر شديدة، ناهيك عن الفوضى العارمة للكثير من السيارات مصحوبة بعدم احترام قوانين السير، وهو الأمر الذى أدى إلى حوادث شبه يومية فى كل المحافظات مع انعدام الإشارات المرورية فى الكثير من الطرق وعدم احترامها عند وجودها من بعض السائقين، بالإضافة إلى بعض الظواهر السلبية مثل المطبات البدائية المدمرة أحيانا فى غيبة الوحدات المحلية، والتى لا وجود لها فى العالم المتحضر، وكذلك الإصرار غير المبرر على عمل ما يسمى عند السائقين اللجنة والتى تتكون من ضابط مرور وعدة جنود مع الاستعانة بالحواجز الأمنية التى تمنع المرور وتقوم بفحص بعض الرخص وبعض السيارات مما يؤدى إلى غضب وإثارة المواطنين الذاهبين إلى أعمالهم نتيجة التأخير والازدحام غير المفهوم، وهو أمر لم أره فى كل الدول التى زرتها، فهناك طرق وأساليب جديدة كثيرة أمام رجال الأمن لضبط المخالفين أو المطلوب إحضارهم بعيدا عن إثارة المواطن الملتزم.. وأضف إلى ذلك، خاصة فى المدن الجديدة، ظاهرة عدم وجود أسماء للكثير من الشوارع!.
وكذا إغلاق جراجات وشوارع بأكملها لحساب أصحاب المصالح الضيقة وغياب تخطيط الحوارى المرورية بألوانها الدولية المعروفة (الأبيض والأصفر والأحمر) وفرض احترمها والالتزام بها على الجميع طبقا للقانون وتبقى الظاهرة العامة والخطيرة وهى السرعات المخالفة مع محاولة التحايل على بعض أجهزة الرادار التى تضعها وزارة الداخلية والتى تتسبب فى حوادث شبه يومية.. ويبقى السؤال: هل الشعب المصرى كما يقال غير مؤهل لاحترام النظام والقانون؟ بالطبع لا.. فالمصرى فى كل بلدان العالم يكون من أفضل قائدى السيارات ومن أقل من يخرق القانون، لسبب بسيط وهو تجنب الوقوع تحت طائلة القانون الحازم والسريع والذى ينطبق على كل المواطنين بغير استثناء.. لكن المشكلة فى رأيى تكمن فى حصر المسؤولية فى وزارة الداخلية فقط والتى عليها مهام جسيمة أخرى، فى حين أن المسؤولية تتوزع على أساتذة واستشاريى هندسة المرور والمجالس المحلية بقيادة المحافظ، ثم إدارة المرور بوزارة الداخلية وأتصورها كالآتى:
١- أساتذة هندسة المرور
تمتلك مصر، والحمد لله، باقة متميزة فى هذا التخصص والتى عليها تقع مسؤولية تقسيم الشوارع وإنشاء الكبارى والأنفاق وتحديد الاتجاهات وأماكن انتظار المشاة واللوحات الاسترشادية العلمية والدقيقة والإضاءة المرورية وتحديد السرعات المناسبة لكل مكان، وكذا تحديد أماكن الانتظار لكل أنواع السيارات، وغير ذلك الكثير من المهام الهندسية التى تمثل العمود الفقرى للمرور.
٢- الإدارات المحلية
لابد أن نعترف بأن هناك خللا مؤسفا وخطيرا فى أداء هذه الإدارات، كما أن تأخر إجراء الانتخابات المحلية هذه السنوات الطويلة يجب أن ينقشع، ويتم هذا الأمر فى أسرع وقت مع ضرورة الاختيار الجيد والمناسب لهذه المهام، والذى يركز على الشباب مع العلم والمعرفة والإرادة والإدارة والأمانة والوعى السياسى، فالمهام جسيمة وتتعلق بحاجة المواطن وراحته، وتشمل، على سبيل المثال، عودة الرصيف النظيف وإزالة كل التعديات عليه، وفتح جميع الجراجات المغلقة وتنظيف الشوارع يوميا وإزالة القمامة والتأكد من عدم وجود عقارات غير آمنة وتنفيذ فورى لقرارات الإزالة الهندسية وغيرها من المهام التى تخص المواطنين
٣- إدارة المرور بوزارة الداخلية
عليها متابعة سرعات السيارات باستخدام كل الوسائل العلمية، ومنها الرادارات والسيارات المتنقلة على مدار الساعة لضبط المتهورين، وسحب الرخصة لمدة شهر مع غرامة مؤلمة، والتوجيه بضرورة إعادة التدريب على القيادة الآمنة فى أحد المراكز المعتمدة، ومع تكرار المخالفة تسحب الرخصة لمدة ٦ أشهر ومع التكرار تسحب نهائيا، كما يجب أن تتعاون الداخلية مع كل محافظ على ضرورة تحديد أماكن انتظار الميكروباصات ومسارات سيرها مع التأكد من صلاحية السائقين مهنيا وصحيا وأمنيا.
هذه بعض الأفكار أضعها أمام من يهمه الأمر من أجل إعادة سمعة شوارع وميادين مصر إلى سابق عهدها حين كانت القاهرة من أنظف وأجمل مدن العالم مع المحافظة على أرواح المواطنين من الحوادث التى زادت مؤخرا للأسف الشديد.
ثانيًا.. فوضى الأسعار
إن عدم قدرة الحكومة على الرقابة والتفاعل مع السوق هو أحد أهم أسباب هذا الارتفاع المخيف فى الأسعار، الذى شمل كل احتياجات المواطن، الذى قال فيه د. كريم أبوالمجد، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، إن المعاناة من شراء الاحتياجات الأسبوعية أو الشهرية للأسر المتوسطة فى مصر باتت حالة متجددة فى كل مرة يقررون فيها الذهاب للتسوق بعد أن ارتفعت الأسعار أكثر من ٤ مرات خلال ١٠ سنوات، وأن المصريين قد فقدوا نحو ٧٧٪ من قدرتهم الشرائية.. كما أن الحكومة لم تتمكن من القضاء على سيطرة بعض التجار (المعروفين بالاسم) على السلع الأساسية الاستراتيجية.. وقد زاد الإحساس بالقلق بعد تصريح د. مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، مؤخرا بأنه يشعر بمعاناة الناس من هذا الارتفاع فى الأسعار، لكن لا توجد الآن وسيلة سريعة للتخلص من هذه المشكلة!.. وهناك عوامل كثيرة لهذا الارتفاع، فعلى سبيل المثال فإن البيض واللبن ومنتجات الدواجن تنتج محليا، لكنها تحتاج إلى الأعلاف التى نستوردها من الخارج، وكذلك الزيت الذى يصنع محليا، لكنه يحتاج إلى الحبوب الزيتية المستوردة بالدولار والدقيق المصنع من القمح المستورد من الخارج، وكثير من المواد الغذائية الأخرى، بالإضافة إلى تكلفة المواد البترولية المستخدمة فى النقل، وبعد أن كنا نحلم بأن الأسماك سوف تكون الغذاء الأفضل لكل المصريين بعد التطوير الكبير الذى حدث فى البحيرات، وفى إعداد سفن متطورة تساهم فى تصدير الأسماك فى السنوات الماضية، نجد أن الأسعار ارتفعت فجأة، وأصبحت الأسماك صعبة المنال على غالبية المواطنين. ويقول د. صلاح المصلحى، رئيس جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية، إن عدم مراقبة أسواق ومنافذ بيع الأسماك بصورة كافية هو سبب مهم فى هذا الارتفاع غير المبرر، بالإضافة إلى نقص الأعلاف التى يتم استيراد مكوناتها بالدولار مع زيادة تكلفة العمالة والنقل، وقال إن إنتاج المزارع يقرب من ٨٠٪ من الإنتاج الكلى، ولذلك ترتفع الأسعار قبل موسم صيد المزارع.. وعن ارتفاع أسعار السمك البلطى- طعام الغالبية - فجأة يعود إلى وجود الوسطاء وليس المنتجين، كما يقول د. هانى المنشاوى، رئيس شعبة الأسماك بغرفة الصناعات الغذائية.
تبقى رسالة عاجلة إلى د. مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، الذى أشكره على مجهوداته الجبارة فى هذه الظروف الصعبة.. الصبر له حدود، وارتفاع الأسعار فاق الحدود فى كل ما يشترى!، وبالطبع فقد انتقل ذلك إلى كل الخدمات بشتى أنواعها، وهو أمر منطقى لأن الجميع يشكو من ضآلة المرتبات والمعاشات. وأقترح الآتى:
١- زيادة المرتبات والمعاشات بما يتوازن مع زيادة الأسعار.
٢- مواجهة حازمة وحاسمة لأغنياء الحرب الجدد الذين انتشروا مؤخرا بكثرة وهم معروفون لدى أجهزة الدولة،. والسؤال هنا: أين قانون من أين لك هذا؟ الذى اختفى وأدعو إلى تفعيله على كل هؤلاء الذين انتهزوا فرصة الأزمة، ونطالب بإعلان أسمائهم.
٣- نعلم أن التصدير هو من أهم مصادر العملة الصعبة، ونطالب بتدعيمه، لكن بشرط أساسى وهو ضرورة توافر السلع المصدرة لدى المواطن فى المقام الأول (خاصة فى مجال الأسماك).
٤- على وزارتى التموين والداخلية أن يكثفا من حملاتهما للمراقبة على الأسعار وتغليظ العقوبات على التجار والوسطاء المخالفين.
حمى الله مصر.