بقلم - صلاح الغزالي حرب
فى مبادرة مشكورة دعا الرئيس السيسى فى 19 فبراير 2022 إلى ضرورة إجراء حوار وطنى شامل انطلقت فعاليات الجلسة الأولى له فى 3 مايو 2023، وقد وصلتنى دعوة كريمة للمشاركة فى الشق المجتمعى عن الوضع الصحى فى مصر.. وفى خطابه الأخير، فى حفل تنصيبه رئيسًا لمصر لفترة ثالثة، تعهد الرئيس السيسى باستكمال وتعميق الحوار الوطنى خلال المرحلة المقبلة وتنفيذ التوصيات التى يتم التوافق عليها على مختلف الأصعدة بهدف تعزيز دعائم المشاركة السياسية الديمقراطية، كما أشار السيد الرئيس الى تبنى استراتيجيات تعظم من قدرات وموارد مصر الاقتصادية، وتعزز من صلابة ومرونة الاقتصاد فى مواجهة الأزمات، مع تعزيز دور القطاع الخاص والتركيز على قطاعات الزراعة والصناعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والسياحة، كما تحدث عن احترام حقوق الإنسان والتوازن بين الحقوق والواجبات، وتطرق إلى الحق فى السكن الملائم وفى الرعاية الصحية المناسبة وفى العمل المنتظم وفى الغذاء الصحى وفى التعليم الجيد وغيرها من الحقوق، وهو ما أثلج صدور المصريين.. وقد تم إرسال مجموعة من مخرجات الحوار إلى الرئاسة، وأحالها السيد الرئيس إلى الجهات المعنية بالدولة لدراستها وتطبيق ما يمكن منها فى إطار صلاحيات الرئيس القانونية والدستورية، وقال الرئيس إن ما يستحق التعديل سيُحال إلى مجلس النواب.. وقد تنوعت هذه المخرجات ما بين مقترحات تشريعية وإجراءات تنفيذية فى كافة المحاور السياسية والاقتصادية والمجتمعية..
وحيث إننا الآن فى مفترق الطريق إلى مستقبل واعد إن شاء الله، فإننا فى حاجة ماسّة إلى تغيير الدماء فى شرايين الإدارة الحكومية، مع توجيه الشكر والتقدير لكل مَن أسهم فى هذه المهمة الصعبة، وسوف أتناول اليوم بعض المحاور والاستفسارات المهمة.
أولًا.. الوضع الاقتصادى:
لابد من الاعتراف بأن الأزمة الاقتصادية الخانقة التى ألمت بنا مؤخرًا كانت نتيجة لعوامل خارجية نعلمها جميعًا وأخرى داخلية تحتاج إلى مراجعة شاملة لكل محاور السياسة الاقتصادية الحالية، وهذا يستوجب وبسرعة تشكيل مجموعة اقتصادية متخصصة فى كل المجالات لوضع تصور لحل المشاكل المتراكمة، وفى مقدمتها الديون الثقيلة ونظام سعر الصرف وتحفيز الإنتاج والاستثمار مع تشجيع ودعم التصدير وترشيد الاستيراد وغيرها من المشكلات، وبالقطع، فإن مصر غنية، والحمد لله، بالكثير من الكفاءات الاقتصادية العالية، وسوف أركز اليوم على المشكلة العاجلة التى تخص موجة ارتفاع الأسعار غير المبررة، والتى أثارت الغضب والقلق عند جميع المواطنين، وللأسف، أستطيع القول إن الحكومة لم تنجح فى كبح جماح هذه الفوضى غير المسبوقة، فقد التقى السيد رئيس الوزراء أكثر من مرة مع رئيس وأعضاء الاتحاد العام للغرف التجارية وجمعية حماية المستهلك وغيرهم، وللأسف الشديد، كانت الاستجابة أقل كثيرًا مما هو متوقع، وساعد على ذلك كما صرح السيد وزير التموين النقص الشديد وغير المفهوم لمفتشى التموين، وقد وصل بنا الحال إلى رغيف الخبز الذى نقص وزنه، واختلت تركيبته، ووصل سعره إلى 4 جنيهات وأكثر فى بعض المناطق، وارتفعت أسعار اللحوم إلى أكثر من 500 جنيه للكيلو الواحد، ومما يثير الأسى والغضب والاستنكار تصريحات بعض المسؤولين وبعض كبار التجار المتكررة بقرب تخفيض الأسعار!! فقد صرح السيد وزير الزراعة بأن مبادرة الاتحاد العام لمنتجى الدواجن لخفض أسعار البيض والدواجن تأتى استجابة لتوجيهات القيادة السياسية!، وكذا مبادرات الحكومة وجهودها لخفض أسعار السلع!، وهو ما يعنى أن هذا الخفض ليس استجابة لحاجة الناس وحقهم المشروع فى الحصول على المواد الغذائية بأسعار تتناسب مع دخولهم، وعلى الجانب الآخر قال السيد عبدالعزيز السيد، رئيس شعبة الثروة الداجنة بغرفة القاهرة التجارية، إن سعر الأعلاف كان قد وصل إلى 32 ألف جنيه للطن، مما أدى إلى رفع الأسعار، ولكنه الآن أصبح بين 22.5- 24 ألف جنيه، ولذلك من المفترض أن يحدث انخفاض كبير فى الأسعار!، وتوقع أن تتراجع الأسعار خلال يوليو القادم!!. (مع دخول دورات جديدة للإنتاج وتزايد المعروض!)، فهل هذا مقبول؟.
ومن ناحية أخرى، قال مصطفى وهبة، رئيس شعبة القصابين، إن هناك تراجعًا فى أسعار اللحوم يتجاوز 10%!، نظرًا لعدم الإقبال على شرائها فى الآونة الأخيرة!، (وهذا يعنى أن المقاطعة سلاح شعبى فعال ضد جبروت تجار اللحوم)، وأكد حازم المنوفى، عضو شعبة المواد الغذائية بالغرفة التجارية، أن بعض الشركات استجابت سريعًا لخفض الأسعار مثل شركات الجبن والألبان!!.. فماذ تعنى هذه التصريحات؟.
يُستخلص من هذه التصريحات بكل صراحة ووضوح أن المواطن المصرى أصبح فريسة ورهينة فى أيدى كبار التجار من ناحية وضحية سياسات خاطئة من بعض المسؤولين من ناحية أخرى، ولذلك فإننى أطالب بثورة تصحيحية فيما يخص إدارة المنظومة التجارية والمالية فى مصر، وإعادة تعيين مساعد وزير لشؤون الثروة الحيوانية، مع ضرورة فرض هيبة الدولة بقوة الدستور والقانون واللجوء إلى التسعيرة الجبرية إن لزم الأمر فى السلع الأساسية، مع تشديد الرقابة وتغليظ العقوبات على نهازى الفرص والجشعين، كما أطالب بتشديد الرقابة على السلاسل التجارية، التى توحش بعضها فى الفترة الأخيرة، حيث تتحرك الأسعار بصورة شبه يومية نتيجة الاعتماد على ضمير التاجر وغيبة الرقابة الجادة والحازمة، كما أطالب الحكومة بسرعة الإعلان عن أسماء المستوردين، الذين امتنعوا عن إنهاء إجراءات شحناتهم فى الميناء دون مبرر سوى الطمع والجشع من أجل جنى المزيد من الأموال، وسحب رخصة الاستيراد منهم، والتصرف فى البضائع المحجوزة. وأُذكر الجميع أخيرًا بقول الله تعالى فى كتابه الكريم: (ويل للمُطَفِّفِين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون ألَا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين)، فهل نتعظ؟!.
ثانيًا.. أسئلة واستفسارات مهمة:
1- لغز الحرائق المتكررة.. لا يزال مسلسل الحرائق المتكررة متواصلًا، ويثير رعبًا وغموضًا، وبات ظاهرة محيرة لحدوثها فى أوقات قريبة ومتزامنة وفى مناطق مختلفة من محافظات مصر، وفى شهر مارس الماضى فقط حدثت 5 حرائق ضخمة، منها انفجارات متتالية فى محطات للصرف الصحى فى نطاق القاهرة وحريق ضخم فى فندق عائم بالنيل وحريق هائل فى برج سكنى ضخم فى بورسعيد، كما نشب منذ أيام حريق هائل بنقابة الصيادلة بالإسكندرية قبل الإفطار، وقال رئيس حى شرق الإسكندرية إن السبب هو ماس كهربائى فى لوحة إعلانات ضخمة!، واندلعت النيران بكثافة فى جوار معهد إعداد القادة بحلوان بدون معرفة الأسباب!. وبالتأكيد، فإن ما يحدث ليس مصادفة، ويقينى أن الأجهزة الأمنية تتابع الأمر بكل دقة، ولكنى أشعر أن ما قاله النائب أحمد قورة فى تصريح للصحافة هو الأقرب للصحة، حيث صرح بأن فساد المحليات هو السبب الرئيسى نتيجة الإهمال المتكرر وعدم قيام الموظفين بواجباتهم، إلى جانب استفادة محتملة لدى البعض من هذه الحرائق، وأضيف أننا جميعًا للأسف نعانى إهمالًا فى وسائل الحماية والسلامة والأمن الصناعى.. ونحن فى انتظار تفسير واضح لهذه الظاهرة المؤسفة، مع ضرورة إجراء الانتخابات المحلية فى أقرب وقت.
2- الإسراف غير المبرر فى الإجازات.. تعجبت بشدة من قرار السيد رئيس الوزراء بإجازة مدتها 6 أيام بمناسبة عيد الفطر بعد انقضاء شهر رمضان الكريم، الذى للأسف الشديد جعلناه شهرًا للكسل والخمول، فى الوقت الذى نحتاج فيه إلى كل ساعة عمل إذا كنا بالفعل نحلم بالجمهورية الجديدة ونسعى لرفعة هذا الوطن، ففى شهر مايو القادم سوف نضيف خمسة أيام جديدة للإجازة!، (عيد العمال يوم الخميس 2 مايو يليه الجمعة والسبت إجازة، ثم الأحد عيد القيامة، ويليه الاثنين عيد الربيع)، وأتذكر أن النائبة آمال عبدالحميد، عضو لجنة الخطة والموازنة بالمجلس، قد قدمت فى العام الماضى طلب إحاطة، جاء فيه أن إجمالى الإجازات والراحات الأسبوعية، التى يحصل عليها الموظف فى السنة 104 أيام والإجازات المرتبطة بالأعياد والمناسبات الوطنية يصل عددها إلى 18 يومًا، أى أننا كل 3 سنوات نحصل على عام كامل إجازة!!، ولست أدرى ما مصير طلب الإحاطة.
خلاصة القول.. إن ترجمة ما جاء فى خطاب الرئيس السيسى إلى واقع ملموس تتطلب تغييرًا جذريًّا فى الكثير من السياسات والتوجهات والقرارات بما يتناسب مع طموحات وتطلعات الشعب المصرى ورغبته فى حياة كريمة ومناخ ديمقراطى يليق بهذا الوطن