أولًا.. علاقة مرض السكر بالكبد:
يعتقد الكثيرون من مرضى السكر أن خطورة هذا المرض تكمن فقط فى زيادة نسبة الجلوكوز بالدم، والتى- بإهمالها- تؤثر سلبًا على شرايين الجسم، والتى ينتج عنها ما نعلمه جميعًا من مضاعفات، وهذا صحيح بالطبع، ولكن الحقيقة العلمية تُذكرنا بأن هورمون الأنسولين له وظائف عدة، بجانب أنه يعمل على إدخال الجلوكوز إلى كل خلايا الجسم، فهذا الهورمون يُعرف بأنه من الهورمونات البَنّاءة، التى تسهم فى بناء الجسم كله، فكما يعمل الأنسولين على إدخال الجلوكوز الناتج من هضم النشويات إلى الخلية، فهو يُدخل أيضًا الأحماض الأمينية إلى الخلايا لتكوين البروتين، كما يُدخل الأحماض الدهنية إلى الخلايا لبناء الدهون، وهو ما يفسر بعض الزيادة فى الوزن مع استخدام الأنسولين، وعدم الاهتمام بنظام الغذاء، وهذا يعنى أن تأثيره ينعكس على كل أعضاء الجسم، ومنها بالطبع العضو الأكبر حجمًا فى الجسد البشرى، وهو الكبد- حوالى كيلو و400 جرام- ويقع تحت الحجاب الحاجز من الناحية اليمنى من البطن.. وهو يلعب دورًا رئيسيًّا فى الكثير من العمليات الحيوية فى الجسم البشرى، ومنها التخلص من السموم وإفراز سائل المرارة وتنقية الدم القادم من الجهاز الهضمى إلى باقى أعضاء الجسم، وكذلك إنتاج الكوليسترول وإطلاقه بالدم، مع التحكم فى مستواه، حيث يتحول إلى سائل الصفراء فى المرارة، ومن الوظائف المهمة التحكم فى نسبة السكر بالدم (الجلوكوز)، فهو ينتج ويخزن فى نفس الوقت كميات من الجلوكوز (فى صورة جليكوجين) لاستخدامه عند الضرورة بمساعدة الأنسولين، وإذا زادت نسبة السكر الصائم بالدم، فالسبب الرئيسى يكون فى إنتاج كميات كبيرة من الجلوكوز فى الدم نتيجة لمقاومة الكبد لهورمون الأنسولين، كما أن زيادة نسبة السكر بالدم بعد الأكل تكون نتيجة عدم قابلية الكبد لتخزين السكر فى صورة جليكوجين.
وفى حالات انخفاض السكر بالدم تقوم الغدة الكظرية بإفراز هورمونات تتجه إلى الكبد لحثه على إفراز ما يخزنه من جلوكوز، وإذا استمر نقص الجلوكوز فإن الكبد يعمل على توفير الطاقة اللازمة للمخ، وهو العضو الذى لا يستطيع الاستغناء عن الجلوكوز مصدرًا للطاقة، وهنا يفرز الكبد ما يسمى الكينونات، ومنها الأسيتون من مخزن الدهون بالجسم لتوفير الاحتياج العاجل من الطاقة، وخاصة للمخ وكرات الدم الحمراء وأجزاء من الكليتين. وكذلك الحال عند ممارسة الرياضة بأنواعها حين يحتاج الجسم إلى جلوكوز لتوليد الطاقة، وهنا تلعب العضلات دورها المهم عن طريق إفراز المزيد من الجلوكوز المخزن أيضًا بالعضلات فى صورة جليكوجين.
ونعود إلى السؤال المهم.. ما العلاقة بين مرض السكر وأمراض الكبد؟، والإجابة أنها علاقة من اتجاهين، فالسكر قد يؤدى إلى تليف الكبد، كما أن تليف الكبد قد يؤدى إلى ظهور مرض السكر، وهناك دراسات تشير إلى وجود ما يسمى السكر الكبدى نتيجة مقاومة الأنسولين فى الخلايا العضلية والدهنية، وهناك عوامل كثيرة قد تؤدى إلى ظهور السكر عند مريض التليف، ومنها زيادة نسبة الأنسولين بالدم وزيادة إفراز هورمون الجلوكاجون وهورمون النمو وغيرهما نتيجة زيادة مقاومة الأنسولين، يتبعه خلل فى إفراز خلايا بيتا للأنسولين.
وعن التأثير المباشر للسكر على الكبد، فإن نقص الأنسولين، وما ينتج عنه من زيادة السكر بالدم، يؤثر على العمليات الحيوية الخاصة بالدهون، التى تتجمع فى خلايا الكبد فى صورة دهون ثلاثية تدريجيًّا لتنتج ما يسمى تدهن الكبد أو الكبد الدهنى، والذى إذا استمر فترة طويلة قد يتحول إلى التهاب كبدى دهنى، والذى بدوره قد يتحول فيما بعد إلى تليف بالكبد، وقد ينتهى الأمر بظهور سرطان الكبد.
وحالات ما قبل السكر أيضًا، (مرحلة مقاومة الأنسولين)، إذا استمرت طويلًا فقد تؤدى إلى زيادة تخزين الدهون بالكبد.
ونأتى إلى السؤال المهم: كيف نتعامل مع الكبد الدهنى للتخلص من مضاعفاته الخطيرة؟:
1) العلاج الأهم هو إنقاص الوزن، والذى قد يحمى من كل المضاعفات.
2) علاج أى زيادة فى نسبة الكوليسترول والدهون الثلاثية بالدم.
3) الاهتمام بعلاج ارتفاع ضغط الدم.
4) التركيز على علاج مرض السكر وتجنب ارتفاع السكر بالدم.
5) تجنب استخدام الأدوية التى يمكن شراؤها بدون وصفة طبيب، وهو ما يحدث كثيرًا فى مصر للأسف الشديد سواء للبحث عن المسكنات أو ما يسمى المقويات أو البانية للعضلات والفيتامينات، وهو ما يحدث للأسف فى الكثير من مراكز الرياضة (الجيم) بدون رقابة.
6) تجنب استخدام بعض الأدوية لفترات طويلة أو غير محددة، مثل الإسراف فى استخدام الكورتيزون وبعض المضادات الحيوية، التى يجب أن يحدد الطبيب مدة استخدامها والجرعات الكبيرة من مادة أسيتا مينو فن الخافض للحرارة وبعض مضادات الفطريات، وهناك شبهة اتهام لمجموعة استاتين التى تعالج زيادة الكوليسترول.. ومن ناحية أخرى يُستحب استخدام الأوميجا 3، التى تساعد فى تقليل كمية الدهون بالكبد، وكذلك استخدام فيتامين (إى) المضاد للأكسدة، وله تأثير فى تقليل درجة الالتهاب الكبدى وفيتامين ب 12.
7) تجنب الأطعمة الغنية بالدهون، وفى مقدمتها اللحوم وكذلك الجبن كامل الدسم وغيره.. وعلى الجانب الآخر يُستحب الإكثار من بعض الأطعمة لحماية الكبد مثل الأسماك الدهنية (السلمون والتونة والرنجة والأنشوجة والسمك البورى) باعتبارها من أفضل مصادر الأوميجا 3 نتيجة وجود الدهون غير المشبعة وأيضًا الإكثار من أكل الفراولة والتوت وكذلك استخدام زيت الزيتون والشاى الأخضر وعصير الليمون.
8) على عكس ما يعتقد البعض، فإن أكل البيض قد يفيد الكبد لاحتوائه على مادة الكولين، التى تساعد على تخفيض نسبة الكوليسترول، وكذلك الحال مع اللبن قليل الدسم، كما ثبت أن شرب القهوة 3- 5 مرات يوميًّا، والإكثار من الموز، قد يفيدان.
ثانيًا.. الجديد فى عالم السكر:
1) بحث مثير، من جامعة فى هولندا، تمت مناقشته مؤخرًا فى المؤتمر الأوروبى لدراسة السكر فى هامبورج بألمانيا، أثبت أن الإنسان المصاب بحالة ما قبل السكر يستفيد كثيرًا من الحياة فى أضواء طبيعية، على عكس الأضواء الصناعية، كما وجدوا أن الموظف الذى يقضى وقتًا طويلًا فى غرفته تحت الأضواء الصناعية هو عرضة للسكر، على عكس مَن يتعرض لضوء الشمس الطبيعى.. وكذلك الحال فى مريض السكر، الذى يستفيد كثيرًا من التعرض لأشعة الشمس وليس الأضواء الصناعية، التى تؤثر على التفاعلات الكيميائية بالجسم الإنسانى.
2) دراسة أخرى فى نفس المؤتمر صادرة من جامعة كندية تثبت وجود علاقة بين حالات نقص السكر الخطيرة ودرجة الأمن الغذائى لدى المريض، وهو ما يحدث للأسف فى دول كثيرة نتيجة للأزمة الغذائية وكثرة الحروب وما ينتج عنها من قصور غذائى.
3) بحث ثالث صادر من ألمانيا، ونُشر منذ أسابيع، فى جريدة اللانست الخاصة بالسكر، عن كيفية مساعدة حالات ما قبل السكر كى لا تُصاب بالمرض، وتوصل البحث إلى أن نقص الوزن وحده ليس هو الذى يمنع من ظهور المرض، ولكن تحسن درجة مقاومة الأنسولين هو العامل الرئيسى وراء الحماية من السكر.. وثبت أن انخفاض درجة المقاومة للأنسولين يأتى أساسًا من نقص كمية الدهون المتراكمة فى منتصف البطن، والمحيطة بالأمعاء، والتى تحتاج أن تنقص حوالى 4 سم فى الإناث وحوالى 7 سم فى الذكور