أولًا.. الطب والطبيب المصرى:
مهنة الطب من أشرف المهن وأجَلّها على الإطلاق، وهى من أقدم المهن في العالم، ومع ذلك فإنها لم تفقد بريقها مهما طال الزمان بها، بل إن الشغف بها والنظرة القدسية التي ينظر بها معظم الناس إليها ظلت ثابتة على مدى الزمن.. ولذلك فإن هناك شروطًا لابد من استيفائها للانتماء لهذه المهنة، ومن أهمها حب المهنة، والمؤهل العلمى، والشغف بالعلم، والذى لا يتوقف طوال ممارسة المهنة، وكذلك الأخلاق الحميدة، والحفاظ على أسرار المرضى، ومراعاة خصوصية كل مريض، والصبر عليه، والاهتمام بالمظهر العام، وأن يحمل في قلبه الرحمة والرأفة لكل مريض، والتواضع، والتمتع بأعصاب هادئة، والصلابة والتماسك في أصعب الظروف، وتوافر عنصر سرعة البديهة.. ومن هنا كان اقتراحى بضرورة عقد امتحان للراغبين في هذه المهنة قبل القبول بالكلية، حيث يجب ألّا يكون التفوق في الثانوية العامة وحده هو العنصر الوحيد للقبول.. وقد عانيت كثيرًا وأنا وكيل لـ«طب القاهرة» لشؤون الطلاب من ظاهرة رسوب الطالب بالسنة الأولى، واتخذت قرارًا جريئًا باستدعاء أولياء أمور الطلبة، ومناقشتهم، واكتشفت أن الكثير من أولياء الأمور يفضلونها فقط بسبب الحصول على درجة عالية في «الثانوى»!!، بغير الالتفات إلى رغبة التلميذ أو موهبته، وقد أدى الرسوب المستمر إلى بقاء بعض الطلاب ما يزيد على الثلاثين عامًا بالكلية، وإصابة الكثيرين منهم باضطرابات نفسية خطيرة.
وإذا انتقلنا إلى الطبيب المصرى تحديدًا، ومن واقع خبرتى العملية أستاذًا بالكلية، وكذلك فترة وكالة الكلية، أستطيع القول إنه من أفضل- إن لم يكن الأفضل- على مستوى العالم، فهو يتمتع بالذكاء، والمثابرة على التعليم المستمر، على الرغم من كم الصعوبات التي يواجهها في مسيرة العمل، وتشمل المرتبات الهزيلة وغير المقبولة، التي تُعد الأقل بين دول العالم كله، بالإضافة إلى الصعوبات الخاصة ببيئة العمل، وظاهرة الاعتداء على الطبيب في محل عمله، وعدم المقدرة المادية على استكمال الدراسات العليا، وقد أدت هذه الصعوبات إلى ظاهرة هجرة الكثيرين من الأطباء إلى بلاد العالم للبحث عن الحياة اللائقة، وقد طالبت كثيرًا بضرورة حل هذه المشاكل، وكذلك طالبت نقابة الأطباء بوضع حد لهذه الظاهرة، التي بالتأكيد تهدد الأمن القومى لمصر، فصحة الإنسان في كل مكان لها الأولوية من أجل تقدم الأمم.
ثانيًا.. أهمية الاهتمام بالصحة:
الصحة هي حالة من اكتمال السلامة البدنية والعقلية والاجتماعية، وليست مجرد غياب أو انعدام المرض أو العجز، وهناك قواعد مهمة يجب أن يلتزم بها الإنسان كى ينعم بصحة جيدة:
1) الثقافة الصحية:
يعانى المصريون، مع الأسف، ضعفًا شديدًا في الثقافة الصحية، وهو ما يفسر تأخرهم في العرض على الطبيب، أو اللجوء إلى وسائل غير طبية، أو الاستسلام لبعض الدجالين والنصابين والأطباء المزيفين، ويرجع السبب في ذلك إلى عدة عوامل.. فالأسرة فقدت إلى حد كبير تأثيرها على الأبناء، بعد انتشار التفكك الأسرى والتباعد الاجتماعى، حيث تأثر الأمر بشدة بانتشار الهواتف الجوالة، وكذلك الحال مع المدرسة، التي كانت في الماضى تعتمد على مرشدة صحية تراقب نظافة التلميذ ومأكله ومشربه وحالته النفسية، وهو ما اختفى تمامًا من المدارس، وأنادى بضرورة عودته، ثم هناك بعض قنوات الإعلام غير الرسمية، الذي تحول إلى إعلان مدفوع الثمن- إلا ما ندر- وهو ما أطالب نقابة الأطباء في ثوبها الجديد بأن تأخذ المبادرة تجاهه، وتشرف بالكامل على هذا الأمر، واستبعاد غير المتخصصين، وخاصة في مجال السمنة والتخسيس، الذي أصبح مهنة مَن لا مهنة له، مستغلين اهتمام المواطن بهذا الأمر، وقد وصل الحال إلى أن بعض الطهاة أصبحوا يتحدثون بثقة كاذبة عن التغذية الصحية، في وجود معهد التغذية القومى الغنى بالمتخصصين، ويبقى دور وزارة الصحة، التي أطالب بأن يكون دورها الأساسى هو الطب الوقائى الذي يغطى كل المحافظات.
2) الفحص الشامل:
من المتفق عليه طبيًّا أن الكشف المبكر للمرض يلعب دورًا شديد الأهمية في علاج المرض والحد من المضاعفات، فهو يساعد على تقييم الوضع الصحى للإنسان، والتعرف على عاداته الغذائية، التي قد يمارسها بشكل يومى دون وعى، والتحفيز على اتباع نظام حياة صحى يناسبه، فالكثير من الأمراض المزمنة لا تظهر أعراضها في المراحل الأولى من المرض، مما يؤخر العلاج، ويؤدى إلى مضاعفات، وقد أقمت مركزًا لهذا الفحص في مستشفى معهد ناصر، للمصريين والعرب، بأسعار مناسبة، منذ سنوات طويلة، ولا يزال يقدم الخدمة للجميع.
3) التغذية الصحية:
وتعتمد هذه التغذية على تناول مجموعة متنوعة من الأطعمة المحتوية على العناصر الأساسية، التي يحتاجها الجسم للحفاظ على الصحة والحصول على الطاقة، وتشمل البروتينات والكربوهيدرات والدهون والماء والفيتامينات والمعادن، وهناك أساسيات لهذه التغذية، ومنها تناول كميات كافية من الفواكه والخضروات، ويُنصح بتناول الفاكهة قبل الوجبات الرئيسة، وكذلك اختيار أطعمة الحبوب الكاملة، وليس الخبز الأبيض، وتناول البروتينات، مثل البقوليات والمكسرات والأسماك والبيض والدواجن واللحوم الحمراء الخالية من الدهون وغيرها، كما يُنصح بتناول الطعام في أوقات منتظمة، وعند الشعور بالجوع، والتوقف عن الطعام بعد اختفاء الجوع، وليس عند الإحساس بالشبع، وبالطبع فإن النظام الغذائى يختلف بحسب العمر والجنس ونمط الحياة ومستوى النشاط البدنى والأطعمة المتوافرة والحالة الصحية.
4) الرياضة وساعات النوم:
ممارسة الرياضة لها أهمية قصوى لكل إنسان، فهى تساعد على الوقاية من أمراض السكر وارتفاع الضغط وأمراض القلب وتقوية العضلات وتنشيط الدورة الدموية وتقليل التوتر وتحسين المزاج.. ومن ناحية أخرى فإن النوم الجيد يساعد على تحسين المزاج والتركيز وتقوية الذاكرة والجهاز المناعى، كما يقلل من فرص الأمراض المزمنة وتحسين الصحة العامة، في حين أن قلة النوم تؤدى إلى الإرهاق ونقص الطاقة والاكتئاب والقلق وضعف الانتباه.
5) أهمية الطب النفسى:
لا تزال كلمة المرض النفسى صعبة على الكثير من المصريين، الذين يربطون بينها وبين كلمة الجنون، رغم الجهود الكبيرة والمهمة لرائد الطب في مصر، أستاذنا د. أحمد عكاشة، الذي نفى وجود مرض يسمى الجنون، وأوضح أنه على المريض أن يدرك أن هذا المرض هو مرض عضوى، والعضو هنا هو المخ، حيث يختل توازن نسب بعض الهورمونات والمواد الكيميائية في بعض أجزاء المخ، وهو ما يمكن علاجه بالدواء وبالجلسات الحوارية مع الطبيب، الذي يساعد المريض على اكتشاف إمكاناته وقدراته الداخلية لاستغلالها بالطريقة التي تحقق له توازنًا نفسيًّا واجتماعيًّا، كما يساعده على التعامل بواقعية مع مشاكله.. وأتذكر أنى عندما كنت وكيلًا لـ«طب القاهرة» لشؤون التعليم، وعند إعدادنا اللائحة الجديدة للطلاب كنت مهتمًّا برفع مستوى الطلاب في هذا المجال شديد الأهمية، كما هو الحال في الجامعات العريقة بالخارج، حيث زادت ساعات المادة التعليمية وكذا درجة النجاح.
وتبقى أخيرًا بعض النصائح للمريض المصرى:
1) احترم الشكوى، مهما كانت تبدو بسيطة، واستَعِن بالطبيب مبكرًا.
2) اخْتَرِ الطبيب المتخصص في علاج ما تشكو منه، مستعينًا في ذلك أولًا بالطبيب الممارس العام أو طبيب الأسرة، ولا تلتفت إلى الشهرة ولا الظهور في الإعلام ولا قيمة الكشف المادية، كما يظن البعض.. فالمهم هو التخصص الدقيق، الذي يمكن معرفته من نقابة الأطباء.
3) احذر مما أسميه علاج الأعضاء، وكثرة الوصفات الطبية، التي تكون أحيانًا هي السبب في المضاعفات الخطيرة، وتذكر دائمًا أن الهدف من زيارة الطبيب بالدرجة الأولى هو معرفة كاملة بماهية المرض الذي تشكو منه وكذلك مزايا وعيوب الأدوية والعلاج الموصوف، وليس أبدًا الحصول فقط على وصفة العلاج.
4) لابد من الإيمان بأن المرض هو من سنن الله وقدَره، بحيث يكاد لا يسلم منه بشر، وتذكر دائمًا قوله تعالى في كتابه الكريم: (وإذا مرضت فهو يشفينِ)، فالعلاج من الطبيب، والشفاء من الله سبحانه وتعالى