أولًا.. رسالة إلى الإعلام (٢)
فى المقال السابق تحدثنا عن ملاحظات على بعض البرامج التليفزيونية ونستكمل اليوم برامج أخرى..
١-البرامج الثقافية
فى تمام الساعة السابعة مساء بدأ البث الأول للتليفزيون المصرى فى ٢١ يوليو ١٩٦٠ تزامنا مع الاحتفال بالعيد الثامن لثورة ٢٣ يوليو، وبدأ الإرسال بصوت الشيخ محمد صديق المنشاوى شيخ المقرئين المصريين آنداك.. وكان من أشهر البرامج برنامج (العلم والإيمان) الذى قدمه العالم الكبير د مصطفى محمود للربط بين الإيمان والظواهر الكونية واستمر بقوة لمدة ١٨ عاما.. وفى عام ١٩٧٧ قدم الإعلامى الراحل الكبير فاروق شوشة أول برنامج له بعنوان (أمسية ثقافية) وقد شارك فيه كبار الأدباء والشعراء مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وعبد الرحمن الأبنودى وأمل دنقل ويوسف إدريس وغيرهم من فطاحل المثقفين، كما قدم الراحل الكبير أيضا برنامجين (دنيا ودين) و(صور شعرية).. ولا ننسى جميعا برنامج (حكاوى القهاوى) للمتألقة الراحلة سامية الأتربى فى حواراتها الجميلة مع أبناء القاهرة القديمة ونتذكر جميعا البرنامج الوحيد الذى يناقش أحوال السينما ويعرض أحدث ما وصلت إليه حول العالم والتى تقدمه ببراعة وعلم الإعلامية المتألقة د. درية شرف الدين وزيرة الإعلام السابقة لنشر الثقافة الفنية والتوعية الاجتماعية، وغير ذلك الكثير من البرامج الناجحة فى توعية المشاهدين. ولكى تكتمل أهداف الإعلام المصرى يجب أن نعطى للثقافة قدرها من الاهتمام، وقد سعدنا جميعا عند الإعلان عن لقاء أسبوعى مع الشاعر والأديب والصحفى القدير الأستاذ فاروق جويدة يطوف بنا فى بحور الشعر وعلاقته مع فطاحل الأدباء والكتاب، ونحن فى انتظار المزيد من هذه البرامج من أجل إعادة الروح للثقافة المصرية التى أوقدت مشاعل الثقافة فى كل أنحاء المنطقة العربية منذ سنوات طويلة، وأتمنى أن يعاد النظر فى بعض البرامج التى لا يمكن وصفها إلا بالتفاهة والخواء فمصر تستحق بقوتها الناعمة.
٢- برامج الأطفال
لا شك أن برامج الأطفال التليفزيونية تؤثر بشكل أو بآخر فى سلوكياتهم، ولهذا يتوجب على الآباء والأمهات الحرص فى انتقاء البرامج التى تهدف إلى تنمية مهارات الأطفال الإدراكية وتثقيفهم بالمعلومات الثرية وتعليمهم المبادئ الأساسية التى تفيدهم فى مستقبلهم، وللأسف الشديد فإن التطور التكنولوجى الهائل الذى حدث فى برامج الأطفال دفع الكثيرين إلى اللجوء إلى البرامج الأجنبية التى يسهل الحصول عليها من الهاتف النقال، وإذا أضفنا إلى ذلك إهمال النطق باللغة العربية فنحن نجنى ثمارا لا تتناسب مع ثقافتنا وتاريخنا، وللأسف فإن لدينا الكثير من المواهب التى يمكنها أن تساهم فى حل هذه المعضلة شديدة الخطورة على مستقبل أبنائنا وأحفادنا، ونتذكر جميعا أن ثقافة ووجدان جيل الثمانينيات فى التليفزيون المصرى قد تشكلت على يد أربع مذيعات شهيرات حصلن على لقب ماما وهن نجوى إبراهيم وسامية شرابى وعفاف الهلاوى وفاطمة سالم، ومذيع هو ماجد عبد الرازق، ومن قبلهم كان الإعلامى الشهير محمد محمود شعبان المشهور بلقب (بابا شارو) الذى ما نزال نردد مقاطع ما كتبه من أوبريت (أبو الفصاد) (اسمعوا يا أحباب.. من أخوكم الغراب.. الواجب علينا.. نشيله بين أيدينا.. ونغنى ونقوله.. عصفور الجنينة.. وقد كان بعد تقاعده أستاذا زائرا لكلية الإعلام بجامعة الرياض بالسعودية حيث أنشا بها كلية للإعلام وحصل على ميدالية الاستحقاق من الزعيم جمال عبد الناصر عام ١٩٥٤ ووسام الجمهورية عام ١٩٧٦.. ومن هنا أتوجه لمسؤولى الإعلام المصرى بضرورة الاستفادة من الطاقات الكامنة فى هذا التخصص شديد الأهمية لأطفالنا.
ثانيًا.. التنمية البشرية
هى عملية تتضمن توسعة خيارات الناس عن طريق توسعة القدرات البشرية من أجل خلق مستوى معيشى لائق، وخلق الظروف للمشاركة فى الحياة السياسية والاجتماعية والاستدامة البيئية وهو ما يعطى للإنسان قيمة وأهمية باعتباره العنصر الفاعل والأبرز فى عملية التطور.. وقد ابتكرت هيئة الأمم المتحدة مؤشرا يشير إلى مستوى رفاهية الشعوب فى العالم وتصدر له تقريرا سنويا منذ عام ١٩٩٠، وحسب تقرير التنمية البشرية فقد صعدت مصر من المركز ١١٦ من أصل ١٨٩ دولة فى عام ٢٠١٩ إلى المركز ١٠٥ من بين ١٩٣ دولة ومنطقة فى مؤشر التنمية ٢٠٢٢-٢٣، ويجمع مؤشر التنمية بين ثلاثة أبعاد وهى حياة طويلة وصحية (متوسط العمر عند الولادة) ومتوسط سنوات الدراسة وسنوات الدراسة المتوقعة، ومستوى معيشة لائق (نصيب الفرد من الدخل القومى الإجمالى)، وباختصار نحن فى حاجة إلى:
١- تعزيز قيم الإنسان وهى المبادئ التى توجه السلوك العام مثل الحب والمثابرة والاجتهاد والتسامح والعزيمة والانتماء والولاء والمرونة.
٢- تعزيز المهارات الرئيسة التى يحتاجها الانسان كأساس فى التعليم مثل القراءة والكتابة والمهارات الرقمية الحديثة.
٣- تزويد الإنسان بالمهارات التى يحتاجها مستقبلا مثل مهارات التفكير العليا والتواصل الاجتماعى الفعال والذكاء العاطفى والمهارات البدنية والعلمية وتعزيز ثقافة الابتكار وريادة الأعمال.
وتتبنى استراتيجية التنمية المستدامة فى مصر (رؤية مصر ٢٠٣٠) مفهوم التنمية المستدامة فى عدة محاور:
- الارتقاء بجودة حياة المواطن المصرى وتحسين مستوى المعيشة بالحد من الفقر والقضاء على الجوع، وضمان جودة وتنافسية التعليم، وكذا جودة الخدمات الصحية المقدمة، وتحسين جودة الخدمات الأساسية والبنية التحتية وتحسين نوعية البيئة المحيطة بالمواطن وضبط النمو السكانى وإثراء الحياة الثقافية.
- العدالة والاندماج الاجتماعى والمشاركة.
- اقتصاد تنافسى ومتنوع.
- المعرفة والابتكار والبحث العلمى.
- نظام بيئى متكامل ومستدام.
- السلام والأمن المصرى.
- تعزيز الريادة المصرية إقليميا ودوليا.
نخلص من هذا كله إلى أن التنمية البشرية ليست مهمة وزير واحد ولكنها مهمة شاقة لجميع الوزراء والمسؤولين وكل الهيئات والمؤسسات الحكومية مع القطاع الخاص كل فى تخصصه، فمصر تستحق والمهمة صعبة ولكنها ضرورة حتمية بعد أن تم إنجاز عدد هائل من المشروعات فى كافة المجالات وأصبح الاهتمام بالإنسان المصرى هو الهدف الأسمى.
ثالثًا.. فارس يكشف المستور
شرفت وسعدت بدعوة أخى العزيز والفنان القدير محمد صبحى لحضور البروفة الأخيرة لمسرحيته الجديدة (فارس يكشف المستور) على خشبة مسرح مدينة سنبل، وهى استكمال لمسلسل (فارس بلا جواد) التى قدمها منذ سنوات قليلة ومصدر سعادتى هو إيمانى بأن هذا الفنان المتألق فنيا يحرص دائما على احترام المشاهد وعلى تقديم كل ما من شأنه أن ينير العقل ويحفزه للتفكير، كما أنه مهموم بقضايا الوطن والأسرة المصرية فى كل أعماله، فلا ننسى (يوميات ونيس) فى ثمانية أجزاء والتى عرض فيها هموم الأسرة العربية وما يصادفها من عقبات لتربية أبنائها وغيرها الكثير. كما أنه من ناحية أخرى قام بتقديم عمل حملة المليار بالتعاون مع الإعلامى عمرو الليثى من أجل القضاء على العشوائيات فى مصر.. وقد حضر العرض عدد كبير من الإعلاميين والفنانين وأعضاء الرقابة الفنية، وشاهدنا مسرحية كوميدية استعراضية غنائية متميزة من تأليف محمد صبحى ومشاركة أيمن فتيحة وكانت تعبر عن الاهتمام الشديد بمستقبل هذا الوطن الذى يعانى من محاولات البعض لتمزيق العالم العربى إلى دويلات، وإثارة القلق فى المنطقة لتحقيق ما تحلم به دولة الاحتلال الصهيونى وتنادى بالحرص على وحدة الصف العربى وتماسكه.. كل الشكر والتقدير للفنان المثقف والمصرى العربى حتى النخاع محمد صبحى.