التغيير هو سنة الحياة والتعديل الوزارى الأخير الذى أعلنه الرئيس السيسى كان مطلبا ملحا عند الملايين لأسباب عديدة.. وسوف أعرض بعض ملاحظاتى وانطباعاتى على هذا التعديل:
1) المفاجأة.. فقد تعودنا، عبر سنوات طويلة، على سيناريو مقابلات رئيس الحكومة للمرشحين ثم الإعلان عنهم، لكن ما حدث هذه المرة أظنه أفضل لتقليل الآثار السلبية على جميع الوزراء قبيل التغيير.. كما يلاحظ أنه لم يكن تغييرا بل هو تعديل لأن رئيس الحكومة لايزال فى منصبه.
2) كنت أتمنى أن يكون لمجلس النواب دور إيجابى فى الاختيار وليس موافقة سريعة على كل الأسماء المرشحة فى دقائق معدودة، فهذا من واجبات المجلس الدستورية، حيث ينص قانون المجلس على أن لرئيس الجمهورية الحق فى إجراء تعديل وزارى بعد التشاور مع رئيس الوزراء ويعرضه على المجلس للمناقشة خلال أسبوع من ورود كتاب رئيس الجمهورية للبت فيه، وكنا ننتظر أن يجتمع المجلس لمناقشة المرشحين ومعرفة مؤهلاتهم والاستماع إلى أفكارهم وتكون الجلسة علنية للحكم المبدئى عليهم.
3) كنت أتمنى من السيد رئيس الوزراء أن يعقد مؤتمرا صحفيا على الهواء يتحدث فيه بوضوح عن فلسفة هذا التغيير وأسبابه، ولماذا خرج هذا الوزير ولماذا دخل الجديد وعلاقة هذا بالسياسات العامة للدولة، لأن هذا حق أساسى للملايين من المصريين، خاصة فى الجمهورية الجديدة التى نأملها، كما أنه سيكون علامة ثقة وشفافية تمنع من سيل الشكوك والأكاذيب والأخبار المغلوطة والشائعات والضرب تحت الحزام التى غمرت وسائل التواصل الاجتماعى والمنصات الكارهة.
4) حزنت لمغادرة د. طارق شوقى موقعه الوزارى رغم إحساسى بأن هذا قد يحدث نتيجة الضغوط الهائلة التى مورست عليه، سواء من تجمعات لأمهات بعض التلاميذ أو من مافيا الدروس الخصوصية التى أصابت العملية التعليمية فى مقتل، فالمجموعة الأولى تتمسك بمذهب الحفظ والتلقين ثم التفريغ فى كراسة الإجابة لدخول الجامعة والخروج إلى المجهول، وهو ما كنا نعانى منه سنوات طويلة، والأخرى تتمسك بالمال الحرام الذى يستنزف كل ما تملكه العائلة من أجل الهدف اليتيم نفسه! وقد سبق لى، أكثر من مرة، تحذير د. طارق من الانفصال عن الواقع، لكن يبدو أن خبرته السياسية لم تسعفه كما هو الحال فى وزراء آخرين يفتقدون الحس السياسى.. وعلى كل حال أطالب بعقد مؤتمر للمتخصصين فى هذا المجال يحضره د. طارق شوقى لمناقشة عيوب الممارسة وليس النكوص عن خطة التطوير.
5) علامات استفهام وتعجب كثيرة انطلقت من المواطنين عقب استبعاد د. خالد العنانى من منصبه بعد أن أبلى بلاء حسنا فى مجال الآثار، وشعر به الجميع، ولم أقتنع بما قاله أحد الإعلاميين بثقة عن أن الوزير الجديد المصرفى، أحمد عيسى، جاء لإدارة السياحة اقتصاديا فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تخصص وزارة فقط للسياحة التى تتطلب بالتأكيد عقلا اقتصاديا لما تملكه مصر من مؤهلات غير متاحة لكثير من الدول، على أن يستمر عنانى فى إدارة الآثار المصرية لما لديه من خبرة وكفاءة عالية.. وفى جميع الأحوال، فالآثار جزء حيوى ومهم من السياحة فى مصر.
6) حزنت لمغادرة السفيرة نبيلة مكرم الوزارة، والتى أعتبرها أفضل من شغل هذا المنصب بقوة وحماس ووطنية وذكاء، وظنى أنها قد تكون قد اعتذرت عن عدم الاستمرار.
7) لم تنجح الوزيرة السابقة فى مهمتها للنهوض بالصناعة، لكننا فوجئنا بوزير جديد، كل مؤهلاته كما ذكر الإعلام أنه يرأس إحدى شركات البلاستيك، كما أنه عضو بالبرلمان عن حزب مستقبل وطن! ولا أظن ذلك كافيا على الإطلاق لإدارة واحد من أهم المرافق التى تحتاج ثورة إصلاحية تتطلب خبرة كبيرة وأتمنى أن أكون مخطئا ونحن فى انتظار الإعلان عن خطته أمام رجال الصناعة فى مواجهة مشكلات كثيرة.
8) الثقافة حق لكل مواطن تكفله الدولة وتلتزم بدعمه وبإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافى أو غيره.. هذا ما أكدته المادة 48 من الدستور المصرى، ولابد أن نعترف بتدهور الثقافة فى الحقبة الأخيرة لأسباب متعددة، ومنها الأمية وتدهور التعليم والإعلام وعدم احترام الرأى والرأى الآخر وغيرها، ونحن فى أشد الحاجة إلى تنشيط وتجديد دماء الثقافة وتشجيع كل أشكال النشاط الثقافى فى كل ربوع مصر.. وأتمنى أن تتمكن الوزيرة الجديدة د. نيفين يوسف بخلفيتها الدراسية السياسية والفنية من تجميع شمل المثقفين وإضاءة شعلة الثقافة من جديد..
ثانيا.. صحوة معهد ناصر:
سعدت كثيرا بقرار الرئيس السيسى الأخير بإعادة الحياة إلى معهد ناصر وتحويله إلى مدينة طبية تليق بالمواطن المصرى الذى يلهث وراء المراكز والعيادات والمستشفيات الخاصة التى فقدت وزارة الصحة السيطرة عليها منذ زمن بعيد وترجع سعادتى بهذا القرار إلى الصلة الوثيقة التى تربطنى بهذا المعهد العريق منذ سنواته الأولى بعد أن طلب منى العمل به قائد مسيرة الطب العلاجى فى مصر الراحل العظيم د. سمير فرج، وأتذكر أن قيمة الكشف على المريض بدأت بمبلغ 2.5 جنيه!، لسنوات طويلة، لكننى، فى المقابل، كسبت رضاء وحب ودعاء الآلاف من المرضى من الطبقتين المكافحة والوسطى، والذى هو عندى أغنى من كنوز الأرض.. لكن يؤسفنى ويحز فى نفسى أنى لم أر وزيرا واحدا على مدى هذه السنوات يتذكر معهد ناصر إلا فى الملمات والحوادث والكوارث، وأيضا لمجاملة الأصدقاء والمعارف والضيوف!، ويكفينى فخرا أننى استحدثت وحدة خاصة هى الأولى من نوعها فى المستشفيات الحكومية للفحص الشامل والذى يشمل مرضى السكر وكل من يريد الاطمئنان على صحته، وكذا المقبلون على الزواج، وقد تم الكشف على مئات الآلاف من المصريين والضيوف العرب، ولايزال المركز يقدم خدماته بمبلغ مناسب برغم التدهور فى أحوال المعهد وإهمال الصيانة والمتابعة، وقد سبق أن طالبت السيد الرئيس، فى مقال لى فى سنوات الحكم الأولى، بإعادة الاعتبار إلى المعهد، كما طالبت، فى مقال سابق، بأن يعود المبنى الضخم المجاور للمعهد إلى حظيرة المعهد بعد إهمال دام سنوات طويلة، وهو ما نص عليه القرار الرئاسى المشكور.
واليوم أتوجه ببعض الأفكار التى قد تساعد فى الحفاظ على رونق وسمعة هذا المعهد:
1) يجب أن نتخلى عن الطريقة التقليدية العتيقة فى اختيارات القيادات الإدارية، ومنها القيادات الصحية، التى تعتبر السبب الرئيسى للتردى الذى نراه فى منظومة العلاج فى مصر وفى غيرها من المجالات، فلا مكان هنا للوساطة والأقدمية ولا الرضاء الأمنى والصداقة، بل للمعايير العالمية التى يحددها المجلس العلمى للمعهد، ولمدة محددة يمكن تجديدها لفترة واحدة فقط.
2) لابد من الاحتفاظ بطابع وفلسفة إنشاء هذا المعهد الذى أراد الزعيم الراحل عبدالناصر أن يكون ملاذا للطبقات الكادحة والمتوسطة فى المقام الأول مع تخصيص مكان للعلاج الخاص والسياحى، خاصة مع ما يتمتع به هذا المعهد من موقع جغرافى بديع لا مثيل له، يطل مباشرة على نهر النيل.. فى انتظار استكمال قانون التأمين الصحى الشامل إن شاء الله.
3) مراجعة أجور ومكافآت كل العاملين من أطباء وممرضين ومساعدين وموظفين مع تعظيم مبدأ الثواب والعقاب على الجميع.
4) وضع نظام محكم للصيانة الدورية والرقابة الصحية والمراجعة، وكذا مكتب للشكاوى مفتوح أمام كل مريض متصل بإدارة المستشفى.
5) الاهتمام بالبحث العلمى والمشاركة مع أكبر المعاهد العالمية وتبادل الزيارات والخبرات مع تشجيع وتعظيم دور الشركات والمصانع الكبرى والبنوك فى المشاركة فى هذا النشاط الذى يعود بالنفع على الجميع.
لم يعد فى العمر بقية.. ولذلك تفاءلت بهذا التطور الإيجابى الذى بدأه الرئيس بعد أن كنت قد فقدت الأمل فى الحفاظ على هذا المعهد، خاصة مركز الفحص الشامل الذى أعتبره الملاذ الآمن لكل مريض