بقلم - صلاح الغزالي حرب
الوقت يمر، والناس حَيَارَى مع هذه الفوضى غير المسبوقة فى أسعار كل شىء، وأستطيع القول بكل وضوح إن الغالبية العظمى منهم يشعرون بالقلق والغضب من استمرار هذا الوضع، وعلى الرغم من سعادتهم بالقرارات التى أصدرها الرئيس السيسى للحماية الاجتماعية، والتى لقيت استحسانهم، فإنهم ينتظرون بشغف الإعلان عن حكومة جديدة تتعامل مع هذه الأزمة بحرفية- بعد أن أدت الحكومة الحالية مهمتها بكل جد طوال السنوات الماضية- وتكون فى مقدمة أولوياتها مجموعة عمل متجانسة من المتخصصين فى الاقتصاد والمالية والاستثمار من ذوى الخبرة والمشهود لهم بالكفاءة للبدء فى وضع خطة عمل مدروسة ومحددة وقابلة للتطبيق لإعادة الاستقرار إلى السوق المصرية، ودفع عجلة الإنتاج والتصدير، وترشيد الاستيراد، بما لا يضر بالمواد الغذائية ومستلزمات الإنتاج والأدوية.. ويتزامن مع ذلك الإعلان عن رئيس للبنك المركزى يتعامل بحرفية مع الوضع الراهن.. وسوف أركز، اليوم، على ثلاثة محاور، أظن أنها مفاتيح النجاة والنجاح إن شاء الله.
أولًا.. الاختيار السليم:
سبق أن تطرقت إلى هذا الموضوع شديد الأهمية، الذى أعتبره السبب الرئيسى لكل الأزمات التى تمر بنا منذ سنوات طويلة، ونتذكر منها على سبيل المثال نكسة 67 وغيرها من الأزمات التى تسبب فيها الاختيار الخاطئ للمسؤول، وأكرر ندائى بمناقشة فكرة د. محمود عمارة عن مشروع بنك الكفاءات، الذى يضم كل التفاصيل الخاصة بالمتخصصين من ذوى الخبرة والكفاءة والصلاحية فى كل المجالات، والذى عن طريقه يمكن بسهولة اختيار الشخص المناسب للمنصب بعيدًا عن أى مآرب أخرى!، والأمثلة كثيرة، فبالنسبة للوزراء ليس من الضرورى أن يكون المرشح أكاديميًّا مرموقًا فى التخصص، ويكفى أن تكون له خبرة سياسية وإدارية متميزة، وسمعة طيبة، وقدرة على التعامل مع المواطنين، ويستطيع الاستفادة من الكفاءات الموجودة بالوزارة، وهو المعمول به فى الكثير من دول العالم من حولنا، وفى مجال المحافظين أُحبذ أن يكون اختيار المحافظ من أهل المحافظة لسرعة العمل على تطوير ما يراه مناسبًا لمحافظته، مع الخبرة السياسية فى التعامل والتواصل مع أبناء المحافظة، وضرورة وضع آلية لمتابعة ومراقبة العمل، وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب، وهناك ملاحظة مهمة وخطيرة تتعلق باختيار بعض المحافظين منذ سنوات، والذى يبدو وكأنه تكريم لهم، وهو أمر غير مقبول، فالتكريم والتقدير يجب ألّا يكونا على حساب محافظة بأكملها، ويبقى هنا سؤال يلح علينا جميعًا يتعلق بانتخابات المحليات، التى تأخرت كثيرًا، مما تسبب فى استشراء الفساد فى الكثير منها، كما أنه أحد أهم أسباب القلق والغضب لدى المواطنين، وأطالب بضرورة حسم هذا الأمر سريعًا لإصلاح الخلل فى المحليات. وإذا انتقلنا إلى الجامعات فسوف نرى تدهورًا كبيرًا وملحوظًا للأسف الشديد نتيجة التدخل فى الاختيار، وهو أمر مرفوض تمامًا، ويتناقض مع استقلال الجامعات، مع التأكيد على أهمية اختيار المسؤول بالطرق المتفق عليها عالميًّا، وإذا كان هناك اعتراض أمنى يُعلن على الكافة، ويناقَش مع أساتذة الجامعة، وينطبق ذلك على كل الوظائف القيادية فى كل الجامعات.. وكذلك الحال عند اختيار قيادات بعض الشركات والمؤسسات الكبرى والمصانع، والذى فى بعض الأحيان يخضع لأسباب تتعلق بالصداقة والمعرفة والقرابة وغيرها، مما يؤدى إلى خسائر جسيمة، تتمثل فى شركات خاسرة بالملايين، ومع ذلك تستمر فى صرف المكافآت والأرباح والحوافز!!، فمتى تنتهى هذه الظاهرة السيئة؟.
ثانيًا.. الشفافية:
هناك منظمة دولية غير حكومية معنية بالفساد (الشفافية الدولية)، وتشتهر بتقريرها السنوى فى هذا المجال، وتأسست فى ألمانيا فى عام 1993، وللأسف لم تكن لدى مصر استراتيجية موحدة لمكافحة الفساد حتى صدور تعديل دستورها فى 2014، والذى تضمنت مادته 218 التزام الدولة بمكافحة الفساد، وتم إطلاق الاستراتيجية الأولى 2014- 2018، وتقوم «الرقابة الإدارية» بتمثيل مصر فى الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وقد تقدمت النائبة النشيطة فى مجلس النواب، مها عبدالناصر، منذ نحو عام، بطلب إحاطة بشأن تراجع مصر فى الترتيب العالمى الخاص بمؤشر الشفافية الدولية فى مكافحة الفساد.. وللأسف الشديد، ومع الأزمة الاقتصادية التى تحيط بنا مؤخرًا، ومع الجهود المضنية التى تقوم بها «الرقابة الإدارية» والأجهزة الأمنية المختصة وغيرها من الجهات، ثبت أننا فى حاجة ماسّة إلى مضاعفة القائمين على هذا العمل الوطنى شديد الأهمية من أجل الكشف عن أشكال الفساد، التى فاحت رائحتها فى السنوات الأخيرة، وما تم كشفه مع بعض مسؤولى وزارة التموين مؤخرًا هو جزء بسيط من شبكة الفساد.. وعلى الجانب الآخر من الشفافية مطلوب فتح نوافذ الرأى والرأى الآخر، مع الالتزام بالقواعد الأخلاقية والقيم المصرية النبيلة، وكذلك فتح أبواب كل محافظ أمام المواطنين شهريًّا للتحاور والمناقشة المفتوحة العلنية، بالإضافة إلى إلزام كل الوزراء بالتحاور الدورى مع المواطنين- كل فى وزارته- فى حل مشاكلهم، والى جانب ذلك يجب على الدولة استطلاع آراء المواطنين قبل أى إجراء تنوى عمله يتعلق بهم، فذلك كله سوف يؤدى إلى إزالة الاحتقان ونشر الطمأنينة، ويُوقف سيل الشائعات التى بلغت ذروتها فى الآونة الأخيرة.
ثالثًا.. الحزم والعزم:
فوجئنا وصُدمنا جميعًا فى الفترة الأخيرة بأنباء متتالية عن جرائم محزنة، تم الكشف عنها بعد مجهودات مشكورة من وزارة الداخلية وأجهزة الرقابة، ومنها على سبيل المثال فقط ضبط 1333 قضية حجب سلع تموينية متنوعة فى خلال 24 ساعة!، وضبط مدير مبيعات بإحدى الشركات مع رئيس قسم الحسابات وبحوزتهما أكثر من مليون دولار و37870 يورو و1550 جنيهًا استرلينيًّا من الاتجار فى السوق السوداء، كما أعلن اللواء محمود أبوعمرة، مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام، عن ضبط 4 أطنان أرز و220 طن سكر و288 طن أعلاف وغيرها خلال 24 ساعة فقط!، ناهيك عن قضايا الذهب والتلاعب فى الأسعار بكل محافظات مصر تقريبًا.. والسؤال المُحيِّر هنا، والذى أضعه أمام رئيس الوزراء ووزير العدل ومجلس النواب: إذا لم تكن هذه جرائم حرب فى هذه الظروف الصعبة، وإذا لم تكن محاولة لتجويع المواطنين وإثارة القلاقل والغضب، وخاصة ونحن على أعتاب شهر رمضان الكريم، فماذا يكون التوصيف القانونى؟، ولماذا لا تُعدل القوانين ليكون العقاب هو السجن المؤبد أو الإعدام لمرتكبى هذه الجرائم؟، وأنا على يقين بأن هذا هو السبيل الوحيد لوقف هذ السيل من الفساد والإجرام والجشع.. فمن غير المعقول أن نعتمد على ضمائر الناس، كما قال فى البداية السيد رئيس الوزراء، بل علينا بأقصى درجات الحزم والحسم، مع ضرورة الإعلان عن أسماء المتورطين علانية، وسحب تراخيصهم، ولنتذكر قوله تعالى: (ولكم فى القِصاص حياة يا أولى الألباب)، ونحن فى انتظار استجابة أولى الألباب.
إلى وزير الإسكان!
من غير المقبول أن تتصاعد الاستغاثات والاحتجاجات من مدينة القاهرة الجديدة، ولا يتحرك السيد وزير الإسكان، ولا المسؤول عن «المجتمعات العمرانية»، ناهيك عن تجاهل رئيس المدينة لمشاكل المدينة، والتى تحدثت عنها من قبل، ومنها فوضى المرور والميكروباصات، ومشاكل انقطاع المياه يوميًّا فى منطقة الشويفات من السابعة صباحًا، منذ شهور طويلة، مع كثرة حوادث كسر مواسير المياه بدرجة ملحوظة وما ينتج عنها من متاعب، وتُضاف إلى ذلك استغاثة سكان «الشويفات» من مشروع مزمع لإنشاء محطة بنزين وسوق تجارية فى منطقة سكنية انتقلت ملكيتها مؤخرًا إلى المنفعة العامة ولا تحتاج للمزيد من هذه المنشآت المحيطة بها من كل جانب، فى حين أن هذه الأرض الواسعة كانت مخصصة لإقامة حديقة عامة تخدم المواطنين، وتساعد فى تنقية الجو، وغير ذلك من مشاكل لم تكن متوقعة فى مدينة جديدة، وللأسف الشديد، لم أستطع التواصل مع هؤلاء المسؤولين جميعًا لنقل رغبات المواطنين، فإذا لم يكن المسؤول قادرًا على التواصل، فلماذا لا يغادر موقعه، كما قال الرئيس السيسى؟.