أتعجب كثيرا وأرثى لهؤلاء الباحثين عن طريقة لإطالة أعمارهم إلى الأبد، كما جاء في تقرير متميز للصحفية هند السيد بالأهرام، الذي جاء فيه أن مسؤولى الصحة في أمريكا قد كشفوا أن متوسط العمر المتوقع للأمريكيين قد تحسن في العام الماضى، لكنه لايزال أقل مما كان عليه منذ عقدين، وأنه أقصر بنحو سبع سنوات مما هو عليه في البلدان ذات الثروات المماثلة مثل ألمانيا وأستراليا واليابان، وقالت إن أبحاث التكنولوجيا الحيوية حول الشيخوخة وطول العمر تشهد حاليا عصرا ذهبيا مدعوما بمليارات الدولارات من الاستثمارات وصناعة الدواء ومن جيوب أغنى أغنياء العالم، وذكرت أن باحثا في جامعة سويسرية قال إن الأعمار سوف تتراوح ما بين 100 و200 عام في غضون 50 عاما أو أقل في البلدان المتقدمة وتحدث عن استخدام الناس في المستقبل للمزيد من الأجهزة التي يمكن ارتداؤها لتتبع حالاتهم الصحية! وغيرها.
والمعروف أن التمسك بالحياة إلى ما لانهاية يرجع إلى قرون مضت، فالإغريق مثلا استخدموا أقنعة وجه من روث التمساح، واستخدم الرومان أيضا حليب الحمير ودهن البجع لتقليل التجاعيد، في حين أن بعض الرياضيين حديثا يلجأون إلى تعريض الجسم إلى درجات حرارة شديدة البرودة لمدة 2- 4 دقائق لتقليل علامات الشيخوخة!، وقد حاول العلماء أن يجمعوا صفات المعمرين من البشر فوجدوا أن الوراثة وتركيبة الجينات تمثل 30% من الأسباب، بالإضافة إلى تجنب السمنة والبعد عن العصبية والمرونة في التعامل مع المواقف المختلفة في الحياة والانفتاح لتقبل الآراء والنقاش.. وقد أكد بحث في جامعة نورث ويسترن الأمريكية، بعد فحص أدمغة 10% من المتوفين المعمرين، أن هناك نوعا معينا من الخلايا الدماغية غير موجود في غيرهم.
وفى دراسة للمعمرين من سردينيا في إيطاليا ظهر أن من تبلغ أعمارهم فوق المائة عام لديهم تنوع أكبر في فصائل الميكروبات التي تعيش في أمعائهم، مقارنة بصغار السن، والمعروف علميا أن هناك مليارات من الميكروبات الحميدة التي تعيش في القناة الهضمية (ميكروبيوم الأمعاء)، والتى لها تأثير كبير على عملية التمثيل الغذائى ووزن الجسم والجهاز المناعى والشهية والمزاج، وهى تعيش معظمها في الجزء الأسفل من الأمعاء (القولون) وهى تعمل كحاجز ضد الميكروبات الضارة، ويتمتع كل شخص ببصمة جرثومية فريدة تشبه بطاقة الهوية الفردية!.. ولاتزال الفرنسية جين كالمينت، المتوفاة في عام 1997، عن عمر 122 عاما هي أكبر معمرة حتى الآن.
ومن أشهر المعمرين الذين تركوا خلاصة تجربتهم الطبيب اليابانى الشهير شيجياكى الذي توفى عن 105 أعوام بعد أن ظل يتفقد مرضاه حتى قبل وفاته بأسابيع قليلة بدون كلل أو ملل، كما أنه ساعد في وضع أنظمة صحية جعلت اليابانيين من بين الشعوب الأطول عمرا في العالم وهى تقوم على إجراء فحوص سنوية شاملة على الجسم في إطار نظام طبى وقائى متميز، وهو ما أطالب به منذ سنوات، كما أطالب بأن تتفرغ وزارة الصحة فقط للطب الوقائى وتترك الطب العلاجى لهيئات طبية متخصصة، وقد ترك هذا الطبيب قائمة من النصائح التي تسمح للناس بأن يعيشوا حياة أطول في ظل التمتع بصحة جيدة وتشمل الآتى:
1) راقب وزنك وتجنب الزيادة.
2) اصعد الدرج ولا تركب المصعد لتحريك عضلاتك وزيادة اللياقة البدنية.
3) احرص على تناول طعام صحى وابتعد عن الطعام الصناعى واحرص على تناول الخضروات والفواكه والحبوب والفيتامينات والمعادن.
4) مارس أنشطة الاسترخاء ونسيان الألم (بالتأمل وسماع الموسيقى الهادئة).
5) ابتعد عن التقاعد المبكر ما دمت في صحة جيدة.
6) ابحث عن هدف يبقيك مشغولا كى تكون نشيطا وحيويا.
7) تحرر من العواطف المربكة نفسيا.
8) توقف عن القلق بشأن الغد، طالما أننا لا نعرف ما يحمله الغد، فإن الشىء الوحيد الذي يمكنك فعله هو إضفاء السعادة والجمال والحب على حاضرك.
9) اجعل أفكارك إيجابية.
10) نظم الجدول الزمنى الخاص بك مع وضع أهداف ملموسة نصب عينيك.
11) اكبح الرغبة في زيادة المال.. فدائما ما يريد الكثيرون جمع المزيد من المال، وهو ما يجعلهم لا يشعرون مطلقا بالسعادة.
12) احرص أن يكون لديك مصدر إلهام.. فمن الممكن أن تستلهم من الأشخاص الناجحين لإكمال نقصك وإرشادك نحو الطريق الصحيح.
ننتقل الآن إلى ما جاء في القرآن الكريم باعتباره الرسالة الأخيرة والخاتمة إلينا جميعا من الخالق الأعظم إلى بنى البشر فماذا جاء به؟.
الأربعون هو السن الوحيد الذي خصه القرآن الكريم بالذكر في سورة الأحقاف (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التي أنعمت على وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لى في ذريتى إنى تبت إليك وإنى من المسلمين).. وماعدا ذلك فنحن نعلم جيدا أننا لم نأت من فراغ! ولا بالصدفة!، لكنه الله سبحانه وتعالى الذي قال في كتابه الكريم (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين).. وأما عن مدة حياة الإنسان وموعد مماته فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير) وقال (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير)، وقال (ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون) وقال سبحانه (والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكى لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير). صدق الله العظيم.
خلاصة الأمر هو أن الإنسان- كل إنسان مهما كان شأنه- له أجل محدد عند الله سبحانه وتعالى مكتوب في اللوح المحفوظ سواء كان موته بمرض أو كارثة أو قتل أو بدون سبب ملحوظ ولا ينقص من عمره إلا في كتاب).. وفى نفس الوقت يجب ألا ننسى لحظة أننا قد خلقنا من أجل إعمار الأرض والتفكر في آيات الله في الكون ونستمتع بها، وهو ما يستلزم المحافظة على الصحة بكل المتاح الذي تصل إليه عقول البشر، فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى.. وإياكم والتواكل وكراهية الحياة وذمها كما يفعل البعض عند الأزمات والرغبة في الموت، وهو أمر مرفوض لأنه سبحانه وحده هو الذي يحدد متى يجىء الإنسان ومتى يرحل (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)، كما أن طول العمر أو قصره في يد الله وحده، وما علينا إلا السعى والجد والاجتهاد والعمل الجاد المخلص والمفيد مع الاهتمام المستمر بالصحة التي وهبنا الله سبحانه وتعالى إياها.