توقيت القاهرة المحلي 11:15:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فتنة برنارد شو

  مصر اليوم -

فتنة برنارد شو

بقلم - محمد المخزنجي

تقول الحكاية، إن ممثلة جميلة التقت في إحدى الحفلات بالكاتب الآيرلندي الساخر برنادر شو، وداعبته، أو راودته، أو تحرشت به - تبعاً للتعبير الرائج هذه الأيام - فقالت له وهي تتمايل وتضحك: «ألا يجدر بنا يا عزيزي أن نلتقي لننجب طفلاً يجمع بين جمالي وعبقرية عقلك». ورد عليها برنارد شو دون أن يضحك أو يميل: «حسناً، لكن ماذا لو أنه ورث جمالي أنا وعقلك أنت»!

بهذه النادرة افتتح العالم نك لين الفصل المعنون «التكاثر الجنسي - أعظم يانصيب في العالم» في كتابه اللامع «ارتقاء الحياة»، وقد أعقب هذه الحكاية بتعليق يرى فيه أن برنارد شو كان صائباً تماماً من وجهة نظر علماء الوراثة في تعليقه الساخر على الممثلة جميلة الشكل خفيفة العقل، فهم يرون في التكاثر الجنسي أفدح وسيلة باهظة التكاليف الحيوية في التكاثر، وأكثرها نشراً للعشوائية، مقارنة بالتكاثر غير الجنسي، فالتكاثر غير الجنسي، عُذرياً كان أو بالاستنساخ، ينتج عن مجموعة جينية من خلية واحدة، ويُعطي نتائج مضمونة المطابقة للخلية الأم المُختارة، بينما التكاثر الجنسي يقوم على خلط جينات خليتين بلا أي ضمان لنتائج هذا الخلط.

ودون أن يمنح الكاتب فرصة للرد البديهي على تساؤله، بالدفاع عن أهم فضائل التكاثر الجنسي الماثل في «التنوع الحيوي» ومردوداته الإيجابية، مضى قائلاً: «إن ذلك التنوع غير المحسوب الذي يُحدِثه التكاثر الجنسي يمكن أن يؤدي إلى مشكلات البؤس والمرض ثم الموت. بينما الاستنساخ يحفظ توليفات جينية مُنتقاة، وغالباً ما يكون الرهان الأفضل»!

قبل التوقف بالنقاش أمام ذلك الرأي النابذ للتكاثر الجنسي والمُفضِّل للتكاثر اللاجنسي، لا بد من إنصاف فضيلة لدى العلماء الكبار رحيبي الأفق، والواضح تحلي الكاتب بها، فهو عالم مرموق في الكيمياء الحيوية، وقد صرح في الفصل الأخير من كتابه شديد الثراء والمثير للتفكير بـ«لقد سار هذا الكتاب على شفير المعلوم، وهو مليء بالآراء الشخصية التي تقف على حافة الخطأ. إنه احتفاء بما نعلمه، رغم كوننا غير معصومين من الخطأ».

والخطأ العام الذي يُرجَّح تفرع بقية الأخطاء منه، فيما ذهب إليه هذا الكاتب البارع والعالم الكبير، هو حسابه لارتفاع التكلفة الحيوية للتكاثر الجنسي - وهو بلا شك مكلف - دون مضاهاتها بعظمة النواتج، فلولا هذا التكاثر الذي يولِّف بين تركيبتين وراثيتين لينتج نسلاً جديداً بتركيبة وراثية مختلفة، ما كان هذا التنوع الذي يضمن استمرار النوع، سواء كان نباتاً أو حيواناً أو بشراً، فلو ظل كل نوع يتكاثر عذرياً أو بالاستنساخ، لظل كل أفراد النوع نمطاً متكرراً تكفي جائحة مرضية واحدة لتقضي عليه، وينقرض، وبتكرار ذلك مع بقية الأنواع، وهو احتمال منطقي تماماً، يتوسع الانقراض، وتُقفر الحياة.

وفيما يخص حسن ظنه العلمي بالتكاثر عبر الاستنساخ، فإن أقرب رد عليه هو استعادة تراجيديا النعجة دوللي، فهذه المسكينة الصغيرة المُستنسَخة، التي شدَّت أنظار العالم إليها في يوليو (تموز) 1996، ماتت وهي في عمر الطفولة بمجموعة من أمراض الشيخوخة أجبرت مستنسخها العالم الأسكوتلندي إيان ويلموت على قتلها «قتلاً رحيماً»، إشفاقاً عليها من الآلام الساحقة التي كانت تعانيها، والتي كانت ستنتهي حتماً بالموت. وقرر بعدها أنه لن يعود إلى الاستنساخ أبداً!

أما حكاية «العشوائية» التي توصم بها نتائج التوليف الوراثي بالتكاثر الجنسي، فترد عليها حكاية كان بطلها العالم جورج فالد الحائز جائزة نوبل في الطب عام 1967، فقد توجهت إليه منظمة مريبة تسمى «بنك نوبل للحيوانات المنوية» تسعى لاستثمار أمشاج الفائزين بنوبل لاستنسال جيل من العباقرة، فرفض التعامل مع القائمين عليها قائلاً: «ربما كنتم بحاجة لأناس مثل أبي الذي كان خياطاً بسيطاً من المهاجرين الفقراء، ولم يكن يفكر أبداً أنه سيخرج من صلبه ينبوع للعبقرية. ثم إنني أنجبت ولدين لم يصيرا إلا مُجرَّد عازفي غيتار عاديين».

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فتنة برنارد شو فتنة برنارد شو



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon