توقيت القاهرة المحلي 12:25:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عام الإصلاح السياسي الذي تأخر

  مصر اليوم -

عام الإصلاح السياسي الذي تأخر

بقلم - ياسر رزق

أظن العام الجديد -أو هكذا أتمنى- هو الأكثر هدوءاً فى هذه العشرية الصاخبة، التى استهللناها بفورة غضب، تلاها سقوط من حالق، ثم ثورة إنقاذ، تبعها انتشال من مصير محتوم، فانتقال إلى مسار محسوب، فانطلاق على درب منشود.

وبرغم أننا ندلف إلى نهاية العشرية، لم تتوقف بعد توابع زلزال الغضب، ولا انتهت تبعات بركان الإنقاذ.

ومن ثم.. لم نفارق مرحلة انتقال طالت أكثر مما كنا نحسب أو نتوقع!

أظن أيضا -أو هكذا أرجو- العام الجديد هو مفترق طرق سياسياً، لابد أن نقف أمامه ونتدبر، حتى نختار الطريق الأصوب، مثلما اجتزنا من قبل مفترق طرق اقتصادياً، بعدما اخترنا المسار الأصح برغم أشواكه وآلامه.

هذا العام ينبغى أن يكون بداية إصلاح سياسى تأخر.

كان بالإمكان البدء مبكراً، لولا أحوال أمن داخلية كانت لها الأولوية، وتهديدات خارجية استحوذت على بؤرة الاهتمام، ولولا قيود دستور أعددناه على عجل دون قراءة لواقع مغاير، ومواد دستورية حاكمة صيغت بصبغة الدستور السابق الذى وضعه الإخوان على مقاسهم.

أقصد بالإصلاح السياسى، السياج الذى يصون كل ما تحقق للشعب من مكتسبات استقرار أمنى وانطلاق اقتصادى خلال خمس سنوات مضت، فلا تزعزعها هزات ولا تقوضها أنواء أيام الضباب.

وأقصد به مظلة حماية نأمن بها على مستقبل الحكم، دون وجل ولا قلق مما قد يحدث بعد ثلاث سنوات، ولا نستطيع التنبؤ به.

الإصلاح السياسى الذى أعنيه، هو عملية تغيير، تعزز الحياة الحزبية، وتدعم القوى السياسية، وتؤسس لتداول السلطة فى ظل نظام 30 يونيو، وتكفل حرية الرأى والتعبير للكتلة الوطنية.

لست أظن أحداً من النخبة الفكرية والسياسية لا يستشعر الحاجة إلى إجراء تعديل فى عدد معتبر من مواد الدستور.

فبعضها يعرقل التوازن المنشود بين السلطات فى ظل نظام حكم اعتاده الشعب وتعود عليه رئاسياً.

وبعضها لا يراعى متطلبات مرحلة انتقال تعيشها البلاد، ولا يجوز أثناء اجتيازها، التماهى مع أحوال دول اجتازت تقلبات الثورات منذ قرون.
ولست أظن أحداً سواء من عموم الناس أو من الصفوة المثقفة أو من النخبة السياسية، لا يساوره القلق على مستقبل الحكم فيما بعد 2022، أى فى أعقاب انتهاء مدة الرئاسة الثانية الحالية للرئيس عبدالفتاح السيسى.

فى رأيى المتواضع أن نقطة الانطلاق فى عملية الإصلاح السياسى، هى عدم تمديد حالة الطوارئ عند انتهاء ميعادها، فى ظل استتباب الأوضاع الأمنية فى البلاد وبلوغ العملية سيناء أهدافها المباشرة.

فى ذات الوقت، ينبغى أن تباشر كتلة الأغلبية النيابية فى البرلمان دورها، فتشكل مجموعة عمل متخصصة من النواب، تجرى دراسة لفلسفة التعديل الدستورى الواجب إجراؤه فى هذه الدورة البرلمانية، وتحدد المواد اللازم تعديلها أو إلغاؤها، وتضع المواد المراد إضافتها.

وإذا جاز لى أن أدلى برأيى فى موضوع التعديلات، فإننى أتصور وجود نسبة تقارب 15٪ من مواد دستور 2014 البالغ عددها 247 مادة، تحتاج اما إلى حذف أو تعديل أو إضافة.

على سبيل المثال.. المواد 18، 19، 21، 23 المتعلقة بتخصيص نسب من الناتج المحلى الإجمالى للإنفاق على الصحة والتعليم والتعليم الجامعى والبحث العلمى، وربما كان المقصود أن تكون النسب من الموازنة العامة، لأن تحديدها من إجمالى الناتج المحلى، أمر غير واقعى ولا يمكن تطبيقه، ومن ثم يتحول الدستور إلى حبر على ورق، وهو ما لا يرضاه أحد.

هناك أيضا المادتان 146، 147 اللتان تضعان قيوداً وعراقيل عند إجراء تغيير أو تعديل وزارى.

أما ما يتعين إعادة النظر فى مجمله، فهو الفصل العاشر المتعلق بمواد الإعلام والصحافة.

فالتجربة أثبتت أن عدم وجود قيادة أو مظلة إشرافية موحدة للصحافة والإعلام الرسمى والخاص والحزبى، هو أحد أسباب ضعف دور الإعلام، بل أدى إلى إلقاء اللوم عليه فى أمور يتحملها وفى أشياء هو برىء منها تماماً.

على أن هناك مادة مريبة هى المادة 241 الخاصة بما يسمى «العدالة الانتقالية» وهو تعبير منقول من الخارج، بمقاصد لا يمكن الجزم بصفائها، تفتح الباب موارباً لإجراء مصالحات «عفا الله عما سلف» و«تبادل الديات» مع جماعة الإخوان، وهى ثغرة دستورية فى جدار ثورة 30 يونيو ينبغى سدها بالحذف تماماً من الدستور.

وفيما يتعلق بالفصل الأول الخاص بالسلطة التشريعية فى الباب الخامس من الدستور، لابد من النظر فى مسألة عودة الغرفة الثانية فى البرلمان التى ألغاها دستور 2014.

وعن نفسى فإننى أميل إلى فكرة إنشاء «مجلس شيوخ» بجانب مجلس النواب، لأسباب عديدة منها اكتمال دائرة الرقابة والمحاسبة على السلطة التنفيذية، وضمان مزيد من التدقيق فى سن التشريعات لاسيما المكملة للدستور.

صلب التعديل الدستورى -بكل وضوح- يتعلق بمواد أخرى، تؤمن غالبية الرأى العام بضرورة تعديلها حرصاً على مصلحة وطنية لامراء فيها.
بينما تحوم حولها شريحة من المثقفين والسياسيين، وتحجم عن الولوج المباشر إليها أو التحدث الصريح عنها، خشية التعرض لقصف باتهامات سابقة التجهيز من جانب تيارات هى فى معظمها تنتمى لجماعة الإخوان أو لا تتورع عن التحالف معها!

على رأس تلك المواد.. المادة 140 من الدستور، ومن قبلها المادة 226 فى فقرتها الأخيرة التى تمنع إجراء تعديل على النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، وهو أمر يغل يد الشعب عن إجراء تعديل على دستور وضع هو مواده ونصوصه، وكأن الدستور كتاب سماوى منزل غير قابل للتعديل.

ولا أشك أن القلق الذى تشعر به الغالبية الكاسحة إزاء مستقبل الحكم بعد انتهاء السنوات الثلاث المتبقية على رئاسة السيسى فى ظل النصوص القائمة بالدستور، يوازيه تحفز لدى جماعة الإخوان وترقب لدى جماعة ما قبل 25 يناير لوصل ما قد انقطع من أسباب السلطة والانقضاض على الحكم معبئين بكل شحنات الانتقام والغل السياسى!

وفى ظنى أن المادة 140 من الدستور، حينما حددت مدة الرئاسة بأربع سنوات فقط، ونصت على عدم جواز تمديدها إلا لمرة واحدة، كان فى خلفية أذهان المشرعين من أعضاء لجنة كتابة الدستور ثلاثة أمور:


- أولها : أن دستور الإخوان الذى صدر عام 2012، نص على تحديد مدة الرئاسة بأربع سنوات فقط، وبالتالى ليس من الملائم أن يأتى دستور ثورة 30 يونيو ليزيد أعوام المدة الرئاسية على 4 سنوات.

- ثانيها : أن تجربة حكم الرئيس الأسبق مرسى التى فشلت من شهورها الأولى لم تكن تشجع أى مشرع دستورى على زيادة مدة الرئاسة على 4 سنوات.

- ثالثها : أن إطلاق مدد الرئاسة فى تعديلات عام 1980 التى أجراها الرئيس الراحل أنور السادات على دستور 1971، كانت سبباً فى بقاء الرئيس الأسبق حسنى مبارك على مقعد الرئاسة لمدة ثلاثين عاماً حفلت بجمود الرؤى وتكلس الأفكار.

لكن مع تقديرى لسلامة نوايا لجنة كتابة الدستور، فإن النص على تحديد مدة الرئاسة بأربع سنوات فقط، لم يراع أننا مازلنا فى مرحلة انتقال لها ضروراتها واعتباراتها، ولم نبارحها بعد إلى مرحلة استقرار سياسى، كذلك لم يتوقع المشرعون الدستوريون أن يتولى الرئاسة شخص كان عازفاً عنها، واضطر لقبولها تحت ضغط شعبى، هو الرئيس عبدالفتاح السيسى، ولم تكن فى مخيلتهم أن يحمل هذا البطل الشعبى على كتفيه مسئولية نهضة مصر ويقطع خطوات واسعة على طريق لا تبدو نهايته فى عام 2022.

وإننى أدعو مجموعة العمل التى ينبغى أن تشكلها كتلة الأغلبية النيابية للنظر فى مسألة التعديلات الدستورية، إلى تدارس تجارب الولايات المتحدة فى فترة ما بين الكساد الكبير ونهاية الحرب العالمية الثانية، وروسيا فى فترة ما بعد تفكك الاتحاد السوفييتى ثم إعادة بعث الإمبراطورية، والصين فى فترة دينج، ثم عصر بنج الحالى.

وإذا كنت قد أتفهم مسألة عدم فتح مدد الولاية الرئاسية عن مدتين، فإننى مع زيادة سنوات المدة الواحدة إلى 6 سنوات، كنص انتقالى لا يسرى على الرؤساء القادمين، فلا نضمن أن يأتى منهم واحد يحمل رأساً مشابهاً لرأس الرئيس الأسبق مرسى منزوع الرؤى والخيال والأفكار!

ربما يقول قائل إن النص الانتقالى بزيادة سنوات مدة الرئاسة إلى 6 سنوات هو تفصيل دستورى على حالة قائمة.. لكن من قال إن الدساتير توضع فى فراغ من زمن وتصاغ فى معزل عن أوضاع؟!

وإذا سارت الأمور فى اتجاه الاكتفاء بزيادة سنوات المدة الرئاسية -كنص انتقالى- إلى 6 سنوات، وعدم توسعة مدد الولاية عن مدتين، أو حتى إذا رُئى -وهو ما أستبعده- الابقاء على النص الحالى، فإننى أرى أن المصلحة العليا للبلاد التى أحسبها مهددة اعتباراً من شتاء 2021/ 2022، تقتضى إضافة مادة إلى الدستور تنص على إنشاء مجلس انتقالى مدته خمس سنوات تبدأ مع انتهاء فترة رئاسة السيسى، هو مجلس حماية الدولة وأهداف الثورة.

على أن يترأس المجلس عبدالفتاح السيسى بوصفه مؤسس نظام 30 يونيو ومطلق بيان الثالث من يوليو، ويضم المجلس فى عضويته الرئيسين السابق والتالى على السيسى، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الشيوخ (إذا أنشئ المجلس)، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس المحكمة الدستورية العليا، والقائد العام للقوات المسلحة، ورئيس المخابرات العامة، ورؤساء المجالس المعنية بالمرأة والإعلام وحقوق الإنسان.

ويتولى المجلس كمهمة رئيسية له اتخاذ التدابير الضرورية عند تعرض الدولة لمخاطر تستهدف تقويضها أو الخروج على مبادئ ثورة 30 يونيو.

وفى كل الأحوال.. ليست بدعة تنفرد بها مصر إذا استحدثت مادة جديدة، أو أضيفت فقرة إلى المادة 200 الخاصة بمهام القوات المسلحة، تنص على أنها هى الحارس على مبادئ ثورة الثلاثين من يونيو وأهداف بيان الثالث من يوليو.

.. هذا العام، إذا نظرنا إلى مسألة الإصلاح السياسى بالجدية الواجبة، سيكون الباب الذى ندلف منه إلى عملية تتكامل فيها التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع البناء السياسى فى إطار المشروع الوطنى لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة.

نقلا عن أخبار مصر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عام الإصلاح السياسي الذي تأخر عام الإصلاح السياسي الذي تأخر



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon