بقلم - وفاء صندى
فى مشهد يثير الحيرة، ظهرت قبل أيام، على مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو لشباب ونساء مغاربة وأطفالهم الصغار والرضع، وهم على متن قارب مملوء عن آخره، يوثقون لحظة هروبهم سرا، من أرض الوطن للارتماء فى حضن المجهول!. ويوم السبت الماضي، عرف شاطئ مرتيل (شمال المملكة)، احتجاجا غير مسبوق لشباب حاولوا الهجرة سرا، رافعين شعارات الشعب يريد الحريك فابور (الشعب يريد الهجرة مجانا). وبعد يوم واحد، ظهرت شواطئ مدينة الحسيمة (شمال شرق المغرب)، وهى مكتظة بشباب وسيدات، كانوا فى انتظار وصول قوارب مجانية وآمنة، قيل إنها سوف تقلهم الى إسبانيا، واستمر التجمع على الشواطئ حتى فجر الإثنين، حيث تأكد الجميع أن الخبر لم يكن سوى شائعة كاذبة!. عادت ظاهرة الهجرة السرية بقوة داخل اوساط الشباب المغربي، بعدما كانت قد توقفت لسنوات، لعدة أسباب منها الازمة الاقتصادية التى عانت منها إسبانيا منذ 2008م. فعدد المغاربة الذين وصلوا الى سواحلها، منذ مطلع العام الحالى قد وصل الى 6433 مهاجرا غير شرعي. مما يشكل ارتفاعا كبيرا بالمقارنة بالسنوات الماضية حيث لم يتجاوز عددهم 3403 مهاجرين، مقابل 1103 فى 2016م.
الهجرة السرية او ما يعرف فى العامية المغربية بمصطلح الحريك» (بتغليظ الكاف)، المشتق من كلمة حرق، وما تعنيه هذه الكلمة من أن المقبل على هذه العملية يحرق كل المراحل وربما يحرق ظروفه الصعبة ويحرق معها أوراقه الثبوتية، متجها، دون أى وثائق تدل على هويته، نحو أوروبا، فى تحد لكل القوانين، وتجاهل لكل مخاطر الرحلة التى يمكن ان تنتهى بالموت غرقا، كما حدث أخيرا عندما لقى خمسة عشر شابا من أبناء مدينة واحدة حتفهم فى عرض البحر، بعد أن وقع انفجار فى محرك القارب المطاطى الذى كانوا على متنه وهم فى طريقهم إلى إسبانيا. اذا كانت الهجرة ظاهرة كونية، ترتبط بالطبيعة البشرية، حيث كان الإنسان الاول ينتقل من مكان لآخر بحثا عن حياة أفضل، إلا أن هذه الهجرة عندما تصبح خطة عمياء لهروب غير قانونى من الواقع، رغم كل المخاطر والعواقب، فهى تتحول الى كابوس، لا يهدد فقط حياة الافراد، ولكن يؤثر أيضا على تركيبة المجتمع وكرامة الدولة التى باتت حدودها مفتوحة وشبابها مفقودين. وأكثر الأمور التى تدعو للقلق فى هذه الظاهرة هى علم هؤلاء الشباب المقبلين عليها، بأن الموت أقرب إليهم من تحقيق حلمهم بالوصول إلى جنة أوروبا الموعودة.
وأنهم حتى بعد وصولهم سوف يواجهون مجتمعا عنصريا مليئا بالتناقضات، وديمقراطية انتقائية ليست فى تلك التى تصدرها وسائل الاعلام الغربية، وفرص شغل شحيحة، وربما مهينة فى بعض الأحيان ومع ذلك فهم يخاطرون ويخوضون رحلة الموت تاركين وراءهم اهلا ووطنا ربما لم يكن رحيما بهم، ولكنه لن يكون أقل سوءا مما سوف ينتظرهم، وعندما تسأل أحدهم ماذا سوف تفعل فى اوروبا رغم كل ما تعرفه عن ظروف الحياة فيها، يجيبك ببرودة: ليس مهما ماذا أفعل هناك.. المهم ألا أبقى هنا. صدمة الجواب أكبر من أن يستوعبها أى تحليل سوسيولوجى لهذه الظاهرة، ومع ذلك فإن الأسباب التى تدفع شخصا الى خوض مغامرة الهجرة عبر قوارب الموت، متعددة، ومنها البطالة والرغبة فى تحسين الوضع المادى والاجتماعي، لكن تفاقم الظاهرة بشكل متزايد خلال هذه السنة لا يمكن تفسيره خارج السياق السياسى والاقتصادى والاجتماعى الذى يعيشه المغرب. يأتى نشاط حركة الهجرة السرية بعد إخفاقات سياسية وحزبية، حيث لم تكن الحكومة عند مستوى رهانات المواطنين، بل تكاد ترتكن الى صفوف المتفرجين منتظرة ردة فعل ملك البلاد، الذى يتدخل، فى كل مرة، لحل الأزمات وتوجيه السياسات العمومية لما يخدم مصلحة المواطن.
ولم تلعب الاحزاب السياسية دورها فى تأطير المواطن، ولم تقم بدور الوسيط بين الدولة والمجتمع. إضافة لتفاقم الاحتقان الاجتماعي، بسبب غياب التوزيع العادل للثروة وانتشار البطالة، مما أدى الى احتجاجات غير مسبوقة، ثم حملة مقاطعة شعبية لاتزال مستمرة.
إن عدم الثقة، وفقدان الأمل فى مستقبل أفضل، والشعور بانسداد الأفق، تعد عوامل أساسية وراء تفضيل الشباب المغربي، اليوم، ركوب قوارب الموت. ومثلما لهذه الظاهرة انعكاسات سلبية على بلاد المهجر، الذى يتم اختراق بنيتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فلها أيضا تداعيات كبيرة على الوطن الأصلى الذى يتم تفريغه من طاقاته الحيوية وقوى تغييره الأساسية، ويتم مهاجمة تركيبته الاجتماعية، مادامت اكبر فئة عبور للبحر هى فئة الشباب، التى ما أحوج الوطن إليها اذا ما أحسن استثمارها. إن ظاهرة الهجرة غير الشرعية، مثلها مثل باقى الظواهر التى باتت تطل على مجتمعاتنا، هى مؤشر سلبى آخر، يعكس عمق الخلل داخل المجتمع. وإذا لم ننتبه لهذه الظواهر ونقف عند أسباب تفشيها ونحاول معالجتها، فالنتائج سوف تكون وخيمة، لا قدر الله.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع