بقلم - علي محمد فخرو
أهم ما تحقق أثناء زيارة الرئيس الأمريكى الأخيرة، بالنسبة لنا كعرب وليس كما تلوكه ألسن وسائل الإعلام الأمريكية الرسمية أو حتى تدعوه وسائل الإعلام اليمينية الصهيونية، هو أنه إذا تحققت وحدة / مجموعة صغيرة من الأقطار العربية، فإن الإرادة السياسية القومية تبدأ بالتعبير عن نفسها، حتى ولو بصورة متواضعة.
فى هذه المرة كانت الإرادة لفظية، بمعنى أنها لم تقبل التعبيرات السياسية التى تبجح بايدن أمام جمهوره بأنه سيفرض قبولها لا من قبل الأطراف المجتمعة فى جدة فقط وإنما أيضا توسعة قبولها من قبل أقطار عربية لم تدع إلى ذلك الاجتماع، تمهيدا لقبولها مستقبلا من قبل الشعوب العربية كتعابير ثقافية سياسية حديثة تحل محل الكثير من التعابير القومية العروبية والكثير من الشعارات الجماهيرية التى رددتها عبر عشرات السنين حناجر الملايين من أبناء الأمة العربية.. شعارات مناهضة لأى وجود أو تطبيع مع القوى الاستعمارية ــ الصهيونية فى أى شبر من وطن العرب برمته.
نحن هنا لن نكون معنيين بقبول أو رفض أو نقد ذلك الفيض الهائل مما قيل أو كتب بشأن مدح ذلك المشهد أو ذم ذلك التعبير فهذه وتلك جزئيات لن تقدم أو تؤخر بالنسبة للجحيم الذى تعيشه حاليا أمتنا العربية. فليست معاركنا ثأرية فى نوع المصافحات أو عرض الابتسامات وليست مشكلتنا فى مقدار الفراغ الذى سيحدثه الانسحاب الأمريكى مما يسميه الشرق الأوسط، وليست مهمتنا القومية فى تخفيض أسعار الطاقة فى بلدان أوروبا. إنما مهمتنا أن نكسب الحرب، وليست المعارك المتناثرة المؤقتة التى تؤدى بصورة قاطعة ونهائية إلى دحر العدوان الاستعمارى الذى شنته أمريكا على الأقصى عبر عشرات السنين من أجل منع قيام وحدتنا العربية الشاملة أو من أجل استغلالنا اقتصاديا حتى نخاع العظم، ومن أجل إبقائنا ضعفاء عسكريا، ومن أجل إبقائنا فى صراع طائفى وقبلى عبثى دائم، وبالتالى إبقاؤنا متخلفون علميا وتكنولوجيا، وبالطبع إلى دحر الأداة الوظيفية الصهيونية التى تنفذ تلك الأهداف والرغبات الأمريكية من أجل نفسها وأحلامها وأساطيرها، ومن أجل الحصول على بلايين الدولارات الأمريكية.
كسب تلك المعركة منذ بضعة أيام من خلال توحيد الإرادة اللفظية يحتاج إذن، إن أردنا كسب الحرب الشاملة، إلى الانتقال إلى إرادة الفعل العربية: تخطيطا وتوحيدا تدريجيا تراكميا وتنفيذا مشتركا يعلو على المصالح الجزئية والسيادة القطرية المفتعلة فى حقول الاقتصاد والمال والسياسة القومية المستقلة وفى حقول الصناعة والزراعة والخدمات الاجتماعية. قائمة طويلة ليس مجال ذكرها هنا.
كل حديث أو ادعاء عن قدرة هذا القطر العربى أو ذاك، مهما كانت ثروته أو كان حجمه أو كان تعداد سكانه، هو حديث وادعاء تدحضه عشرات الأسباب وعشرات التجارب التاريخية فى شتى أرجاء المعمورة.
وبكل حديث عن الأهمية القصوى والفاعلية القومية للتجميع والتوحيد تثبته تجارب التجميع والتوحيد فى قارات أمريكا وأوروبا وآسيا، حيث قامت وحدات أو تجمعات قادت إلى المنعة والتقدم.
لنحاول تصور الولايات المتحدة الأمريكية وهى عبارة عن خمسين قطرا بدلا من وحدتها الفيدرالية، ولنتصور أوروبا وهى عبارة عن أربعة وعشرين قطرا بدلا من وحدتها الاقتصادية والأمنية والسياسية الجزئية، ولنتصور روسيا أو الصين أو أفريقيا الجنوبية أو البرازيل أو الهند دون تكتلهم فى تشابك وتعاضد اقتصادى مشترك. لنحاول فعل ذلك لنرى مقدار ضعف وضياع وعدم استقلال كل وحدة من تلك التجمعات وبالتالى مقدار تخلفها فى كثير من مناحى الحياة.
موضوع الوحدة العربية إذن هو فى قلب كسب حربنا مع الاستعمار الغربى ــ الصهيونى الذى أنهكنا ومزقنا ودمر مدننا وأوصل ملاييننا إلى منافى الهجرة والضياع والموت غرقا فى البحار. ومن يريد أن يرشح نفسه أو قطره لقيادة أمته فى أتون تلك الحرب التى قد تحتاج إلى خوض عشرات المعارك قبل ربحها، فعليه أن يقبل بحمل مسئولية ذلك السلاح القومى العروبى الفعال فكرا وثقافة جماهيرية وشعارات سياسية رسمية وشعبية وتحريكا لقوى كل المؤسسات الإقليمية القومية من مثل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامى والمجالس الوحدوية فى الخليج العربى وفى المغرب العربى.
إنها سلاح مطلوب لخوض حرب وجود.