بقلم - علي محمد فخرو
أصبح من الضرورى المُلح أن يعالج موضوع الوحدة العربية، الذى أصبح مدخلا وجوديا مفصليا لخروج الأمة العربية، بكل أقطارها وأنظمتها، من الدمار الذى لحق بها مؤخرا، أن يعالج لا كمكون من الفكر القومى العروبى ولا كشعار سياسى فقط وإنما أيضا، وبنفس الأهمية، كممارسة سلوكية يومية على المستويين الرسمى والشعبى.
من هنا الأهمية القصوى لتوعية الفرد العربى توعية وحدوية، فكرية ومشاعرية وروحية، تجعل الفرد مرتبطا عاطفيا وذهنيا بالأهمية القصوى لوحدة أمته من أجل استعادة عافيتها ونهضتها للوقوف أمام الأخطار الاستعمارية والإرهابية والصراعات المذهبية والمناطقية والعرقية التى تمزقها وتنهكها حاليا. هذا يحتاج إلى أن يتم على كافة المستويات وفى جميع الساحات وبصورة مستمرة تدريجية، ولكن تراكمية متصاعدة.
ولهذا يحتاج الأمر إلى سيرورة حياتية تبدأ فى أجواء العائلة، أحاديث وأناشيد وتصرفات دعم، وفى المدرسة، مناهج ونشاطات وأناشيد صباحية وأجواء مدرسية وقدرة من قبل الأساتذة والإدارة، وفى كل مؤسسة مجتمعية مدنية، دعما دينيا والتزاما مهنيا وشعارات سياسية وشعبية. وبمعنى آخر نقل هذا الشعور الوجدانى والذهنى إلى عوالم الفعل والسلوك والالتزام.
فى هكذا أجواء تصبح الوحدة فى مقدمة أحلام الأمة، طاردة لكوابيس التمزق والهوان ومشاعر الضعف المذل، وتصبح عيشا متجددا لتاريخ الأمة المشترك وآمالها المستقبلية المليئة بالتفاؤل والإيمان الواثق المستبشر، وتتوقف عن أن تكون أيديولوجية يطرحها هذا الجزء من الأمة ويرفضها ذلك الجزء الآخر.
ذاك الزخم الوحدوى سيحتاج لدعم الكثير من الجهات فعلى مستوى المدرسة والجامعة سيحتاج الأمر لقرار مشترك من قبل وزارات التربية والتعليم العربية، بالاشتراك مع المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، لجعل موضوع الوحدة العربية جزءا من مقررات التربية الوطنية. وسيحتاج الأمر لقرار توجيهى ملزم من قبل وزراء الإعلام ووزراء الثقافة العرب للمساهمة الفاعلة فى نشر ثوابت وحدة الأمة وفى توعية الملايين المستمرة بشأن الأهمية الوجودية لهذا الشعار القومى العروبى كطريق مفصلى لإنهاض الأمة.
والأمر نفسه ينطبق على قيادات مؤسسات المجتمعات العربية المدنية، أحزابا وجمعيات ونقابات ونوادى وروابط من أى نوع كانت، أن لا ترى أى حرج فى تبنى هذا الشعار مهما كانت الإيديولوجية التى تتبناها مؤسساتهم: ليبرالية أو إسلامية أو شيوعية أو قومية.
وهناك جانب هام يتعلق بشابات وشباب الأمة مطلوب منهم أن ينضموا لكل نوع من الاتحادات العربية ويطالبوا بقيامها إن لم توجد. هذه خطوة ستنعش الاتحادات وتوسع قواعدها. أما الجانب الهام الآخر فهو أن يقلبوا وسائل التواصل الاجتماعى الإلكترونية إلى أدوات توعية وإشادة لمفاهيم وسلوكيات الوحدة، بحيث يساهموا فى إيصالها إلى ملايين المواطنين العرب.
موضوع الوحدة العربية لا يهم العاملين فى السياسة فقط إنه يهم الجميع دون استثناء، ذلك أن تحققها يفيد الجميع وعدم تحققها يضر الجميع. ولذلك تحتاج الوحدة أن تكون فى صلب الفلسفة والتاريخ وكل العلوم الاجتماعية دون استثناء وليس علم السياسة فقط، وفى صلب الفنون بكل أنواعها، وفى صلب كل النشاطات الترفيهية والرياضية. تحتاج أن تكون إحساسا يوميا ومسلكا حياتيا يمس كل كيان الإنسان العربى.
يقابل بناء كل تلك الأحاسيس والسلوكيات والأحلام الإيجابية، الواقعية إلى أبعد الحدود. نحتاج إلى التوعية المستمرة بسلبيات وأخطار ما يعاكسها، أى التجزئة العربية، كأرض وشعوب وأنشطة وسلوكيات وغياب لأية التزامات.
من هنا يجب أن لا نترك ذرة من جوانب الوحدة دون الحفر والبناء والتطوير والنشر والتوعية، وذلك أن نضالات الشباب والشابات ستكون عقيمة إن لم تجر فى ظل هذا الوهج الوحدوى.
مفكر عربى من البحرين