توقيت القاهرة المحلي 19:53:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عار العرب المبثوث في مدن الشتات

  مصر اليوم -

عار العرب المبثوث في مدن الشتات

بقلم - علي محمد فخرو

إذا كنت تريد أن تعرف مدى بشاعة ومأساة ما فعلته بعض أنظمة الحكم العربية بشعوبها فما عليك إلا أن تزور مدن الغرب الأوروبى لترى بؤس حياة أولئك الضحايا. دعنى أصف ما شاهدت وعرفت فى مدينة إنجليزية تقع على حافة لندن.
فى الشوارع والأسواق والمطاعم يتعرف الإنسان على ألوف الوجوه التى طالما شاهدها عبر حياته فى مدن الوطن العربى: من سوريا والعراق ولبنان واليمن مصر والمغرب العربى وحتى الخليج العربى وغيرهم. وجوه متعبة، أو شاحبة، أو مبتسمة باستسلام وخضوع، أو متسكعة فى الأزقة أو على حواف الطرقات الصاخبة، أو وجوه أمهات متعبات يهدئن جيوش الأطفال من ورائهن، بوجوه نسيت الفرح وبعيون زائغة لا تفهم ولا تتعرف على ما يدور من حولها من سلوكيات وأحاديث.
تستوقف أحدهم أو إحداهن من أين الأخ أو الأخت؟ من ذاك البلد العربى المأزوم أو ذاك الوطن المهدم المسحوق، يأتيك الجواب. هل أنت هنا منذ زمن طويل؟ يصلك الجواب منذ عشر، عشرين، ثلاثين، أربعين سنة. أما إن تجرأت وسألت عن مصادر عيشهم هم وعائلاتهم فستكون قائمة طويلة من الوظائف الخدمية المتواضعة أو الإعانات الحكومية أو ما يرسله الأولاد العاملون فى بلدان اليسر من هبات لتقيهم مصادر التسول أو بيع الشرف أو خيانة الضمير.
وبين الحين والآخر تتساقط الدموع أو تسمع الآهات بشأن أم مقعدة جائعة أو أب مصاب بمرض الخرف ويعيش حالة العزلة التامة فى المكان والزمان.
تقف أنت مشدوها ومفجوعا وغضبانا ولاعنا يعقبه طرح السؤال على نفسك: مدن الغرب يزورها فى طيلة أيام السنة الملوك والأمراء والرؤساء والوزراء وكثير من المسئولين، فهل يا ترى تجول أحدهم أو مرافقوهم أو حتى خدمهم فى شوارع مدن الغرب ليشاهدوا تلك الوجوه الهائمة العابسة المكسورة والتى كان ظلمهم وطمعهم وفسادهم وجهلهم وتحزباتهم الطائفية والقبلية سببا فى وجود تلك الوجوه فى المنافى والأعمال التى لا تسمن ولا تغنى من جوع؟
أجزم بأن الجواب هو كلا ثم كلا، فهؤلاء من كبار القوم، المتربعين على كراسى الحكم، الساكنين أفخر البيوت والفنادق فى المدن الأوروبية يتنقلون فقط بواسطة سياراتهم الفارهة الغالية الثمن، محروسين من قبل حراس يقظين قساة موالين بعمى الضمير ونيران الخوف من عقاب السيد وما وراء السيد. هؤلاء من المترفين يفعلون أكثر من ذلك: إنهم يلومون الملايين المهاجرة ويتهمونها بأنها قليلة المروءة والعرفان بالفضل وبالتالى تستحق المصير الذى وصلت إليه.
ظاهرة المهاجرات والمهاجرين الهائمين العرب، الذين يكتوون بنيران الغربة والتسولات المذلة والعيش فى أكواخ الفقر وعيش الفتات، أصبحت محنة عربية قومية كبرى، لتضاف إلى محن الوطن العربى الكثيرة ولأنها كذلك تحتاج أن تواجه لا من قبل كل قطر على حدة، ولا من قبل المساعدات الأجنبية المقدمة بألف شرط مذل، وبالطبع ليس من قبل القوى الاستعمارية والصهيونية التى تعرض بانتهازية وحقارة المساعدة فى الأمر.

عيب على الجامعة العربية ومؤسسة قمة الرؤساء العرب أن يجلسوا متفرجين ينتظرون الفرج. عيب على المزكين أن لا تشمل أموال زكاتهم حل المساهمة فى حل هذه الظاهرة. عيب على شرف هذه الأمة أن تقبل بأن يكون مصير الملايين من شعوبها بهذه الصورة البائسة، وأن تقوم بعض الأنظمة السياسية الأوروبية بواجب المساعدة بصورة أكبر عطاء والتزاما أخلاقيا ودينيا. عيب على وزراء التربية العرب أن لا يفعلوا شيئا لأطفال المهاجرات والمهاجرين الغاطسين فى الأمية الأبجدية العربية والمهددة هويتهم العروبية وثقافتهم التاريخية المشتركة. عيب على بعض أغنياء العرب أن تذهب أموالهم لمساعدة فقراء الكيان الصهيونى الحاصل على بلايين المساعدات من كل حدب وصوب وتناسيهم للمهجرات والمهجرين والمهاجرات والمهاجرين العرب. عيب.. وعيب.. وعيب.
وأخيرا عيب على علية القوم العرب أن يزوروا مدن الشتات لملايين العرب دون أن يتنازلوا ويمشوا فى شوارع تلك المدن ليشاهدوا عار العرب، وهوان العرب، مبثوثا فى كل بقعة من بقاعها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عار العرب المبثوث في مدن الشتات عار العرب المبثوث في مدن الشتات



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
  مصر اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 11:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:28 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله
  مصر اليوم - قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة
  مصر اليوم - سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:00 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء الروس يطورون طائرة مسيّرة لمراقبة حرائق الغابات

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 20:12 2024 الخميس ,15 آب / أغسطس

عمر كمال يوجه رسالة مؤثرة لأحمد رفعت

GMT 10:00 2016 الأربعاء ,09 آذار/ مارس

إصبع ذكي يعيد حاسة اللمس للاصابع المبتورة

GMT 23:53 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

مصمم مغربي يطرح تشكيلة راقية من القفطان الربيعي لموسم 2016

GMT 05:09 2015 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

توثيق ازدهار ونهاية مؤسس "داعش" أبو مصعب الزرقاوي

GMT 21:24 2017 السبت ,09 أيلول / سبتمبر

5 مواقف فتحت النار على سهير رمزي بعد خلع الحجاب

GMT 05:22 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

خبيرة موضة تقدم نصائح لارتداء فساتين الصيف خلال الشتاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon