توقيت القاهرة المحلي 05:29:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عار العرب المبثوث في مدن الشتات

  مصر اليوم -

عار العرب المبثوث في مدن الشتات

بقلم - علي محمد فخرو

إذا كنت تريد أن تعرف مدى بشاعة ومأساة ما فعلته بعض أنظمة الحكم العربية بشعوبها فما عليك إلا أن تزور مدن الغرب الأوروبى لترى بؤس حياة أولئك الضحايا. دعنى أصف ما شاهدت وعرفت فى مدينة إنجليزية تقع على حافة لندن.
فى الشوارع والأسواق والمطاعم يتعرف الإنسان على ألوف الوجوه التى طالما شاهدها عبر حياته فى مدن الوطن العربى: من سوريا والعراق ولبنان واليمن مصر والمغرب العربى وحتى الخليج العربى وغيرهم. وجوه متعبة، أو شاحبة، أو مبتسمة باستسلام وخضوع، أو متسكعة فى الأزقة أو على حواف الطرقات الصاخبة، أو وجوه أمهات متعبات يهدئن جيوش الأطفال من ورائهن، بوجوه نسيت الفرح وبعيون زائغة لا تفهم ولا تتعرف على ما يدور من حولها من سلوكيات وأحاديث.
تستوقف أحدهم أو إحداهن من أين الأخ أو الأخت؟ من ذاك البلد العربى المأزوم أو ذاك الوطن المهدم المسحوق، يأتيك الجواب. هل أنت هنا منذ زمن طويل؟ يصلك الجواب منذ عشر، عشرين، ثلاثين، أربعين سنة. أما إن تجرأت وسألت عن مصادر عيشهم هم وعائلاتهم فستكون قائمة طويلة من الوظائف الخدمية المتواضعة أو الإعانات الحكومية أو ما يرسله الأولاد العاملون فى بلدان اليسر من هبات لتقيهم مصادر التسول أو بيع الشرف أو خيانة الضمير.
وبين الحين والآخر تتساقط الدموع أو تسمع الآهات بشأن أم مقعدة جائعة أو أب مصاب بمرض الخرف ويعيش حالة العزلة التامة فى المكان والزمان.
تقف أنت مشدوها ومفجوعا وغضبانا ولاعنا يعقبه طرح السؤال على نفسك: مدن الغرب يزورها فى طيلة أيام السنة الملوك والأمراء والرؤساء والوزراء وكثير من المسئولين، فهل يا ترى تجول أحدهم أو مرافقوهم أو حتى خدمهم فى شوارع مدن الغرب ليشاهدوا تلك الوجوه الهائمة العابسة المكسورة والتى كان ظلمهم وطمعهم وفسادهم وجهلهم وتحزباتهم الطائفية والقبلية سببا فى وجود تلك الوجوه فى المنافى والأعمال التى لا تسمن ولا تغنى من جوع؟
أجزم بأن الجواب هو كلا ثم كلا، فهؤلاء من كبار القوم، المتربعين على كراسى الحكم، الساكنين أفخر البيوت والفنادق فى المدن الأوروبية يتنقلون فقط بواسطة سياراتهم الفارهة الغالية الثمن، محروسين من قبل حراس يقظين قساة موالين بعمى الضمير ونيران الخوف من عقاب السيد وما وراء السيد. هؤلاء من المترفين يفعلون أكثر من ذلك: إنهم يلومون الملايين المهاجرة ويتهمونها بأنها قليلة المروءة والعرفان بالفضل وبالتالى تستحق المصير الذى وصلت إليه.
ظاهرة المهاجرات والمهاجرين الهائمين العرب، الذين يكتوون بنيران الغربة والتسولات المذلة والعيش فى أكواخ الفقر وعيش الفتات، أصبحت محنة عربية قومية كبرى، لتضاف إلى محن الوطن العربى الكثيرة ولأنها كذلك تحتاج أن تواجه لا من قبل كل قطر على حدة، ولا من قبل المساعدات الأجنبية المقدمة بألف شرط مذل، وبالطبع ليس من قبل القوى الاستعمارية والصهيونية التى تعرض بانتهازية وحقارة المساعدة فى الأمر.

عيب على الجامعة العربية ومؤسسة قمة الرؤساء العرب أن يجلسوا متفرجين ينتظرون الفرج. عيب على المزكين أن لا تشمل أموال زكاتهم حل المساهمة فى حل هذه الظاهرة. عيب على شرف هذه الأمة أن تقبل بأن يكون مصير الملايين من شعوبها بهذه الصورة البائسة، وأن تقوم بعض الأنظمة السياسية الأوروبية بواجب المساعدة بصورة أكبر عطاء والتزاما أخلاقيا ودينيا. عيب على وزراء التربية العرب أن لا يفعلوا شيئا لأطفال المهاجرات والمهاجرين الغاطسين فى الأمية الأبجدية العربية والمهددة هويتهم العروبية وثقافتهم التاريخية المشتركة. عيب على بعض أغنياء العرب أن تذهب أموالهم لمساعدة فقراء الكيان الصهيونى الحاصل على بلايين المساعدات من كل حدب وصوب وتناسيهم للمهجرات والمهجرين والمهاجرات والمهاجرين العرب. عيب.. وعيب.. وعيب.
وأخيرا عيب على علية القوم العرب أن يزوروا مدن الشتات لملايين العرب دون أن يتنازلوا ويمشوا فى شوارع تلك المدن ليشاهدوا عار العرب، وهوان العرب، مبثوثا فى كل بقعة من بقاعها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عار العرب المبثوث في مدن الشتات عار العرب المبثوث في مدن الشتات



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon