توقيت القاهرة المحلي 10:46:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كوارث البيئة العربية القادمة

  مصر اليوم -

كوارث البيئة العربية القادمة

بقلم - علي محمد فخرو

إضافة إلى الفواجع السياسية والأمنية والكوارث الاقتصادية والعمرانية التى يواجهها الوطن العربى فى الحاضر، سيواجه هذا الوطن فى المستقبل القريب كوارث بيئية، أين منها تلك الفواجع والكوارث الحالية.
المشاكل البيئية فى الوطن العربى كثيرة. فهناك ظاهرة تنامى التصحر وتقلص الأرض الصالحة للزراعة. وهناك إشكالية شح المياه غير الكافية للزراعة وللنمو السكانى الكبير، خصوصا بعد تناقص تدفق مياه الأنهار العربية الكبرى من مثل أنهار النيل والفرات ودجلة بسبب بناء السدود الحاجزة لمياه الأنهار فى بلدان مصادر تلك الأنهر وتنامى استهلاكها من قبل سكانها المتزايدين. وهناك التصاعد المذهل الخطر فى التلوث الهوائى والمائى والأرضى فى كبرى المدن العربية. وبالطبع هناك المزيد الكثير ما يصعب الدخول فى تفاصيله.
هذا فيما يتعلق بالمشاكل البيئية الذاتية العربية. لكن المشكلة لن تقف عند هذه الأسباب الذاتية المحلية، إذ إن الوطن العربى، كغيره من مناطق العالم، سيكون أيضا مشمولا بمضاعفات المشاكل البيئية التى ستواجهها الكرة الأرضية برمتها، وعلى رأسها ظاهرة الاحتباس الحرارى التى يتحدث القاصى والدانى عنها، والتى ستهدد العالم بكوارث طبيعية مدمرة من مثل العواصف والفيضانات وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات بسبب ذوبان الثلوج فى القطبين الشمالى والجنوبى.
والوقع أن الظواهر الكوكبية تلك قد بدأت بالفعل فى شكل تزايد فى وتيرة التقلبات الطقسية العنيفة التى لم تر مثلها المجتمعات البشرية من قبل.
وستزداد تلك الظواهر شدة وتدميرا إذا استمر العالم فى إخفاقه فى الوفاء بالقرار الذى أخذته الغالبية الساحقة من دول العالم منذ بضع سنوات والقاضى بالعمل على تقليص الانبعاثات الكربونية الناتجة عن كل النشاطات البشرية الإنتاجية والاستهلاكية المعتمدة على البترول والفحم والغاز لإنتاج الطاقة التى تحتاجها تلك النشاطات.
لقد نص ذلك القرار التاريخى على الضرورة القصوى لعدم السماح لارتفاع حرارة الأرض أكثر من درجتين (سنتيغريد)، وإلا فإن الكوكب الأرضى سيواجه كوارث طبيعية غير قابلة للسيطرة عليها، ولا يمكن تجنب دمارها الهائل للمجتمعات البشرية.
***
لكن، وكالعادة، فشلت العديد من الدول، وعلى الأخص الصناعية المتقدمة، فى الحد من انبعاث الغازات الحرارية الملوثة كنتيجة منطقية لتبنيها للمسلمات النيولبرالية العولمية المنادية بالنمو الاقتصادى الصناعى والتجارى المستمر إلى ما لا نهاية وبالدفع نحو ظاهرة الاستهلاك العالمى النهم لكل منتج. واستطاعت لوبيات الشركات الكبرى إقناع الساسة بعدم مس توسعهم الاقتصادى والتجارى، وبالتالى عدم المساس بأرباحهم من جهة، ومن جهة أخرى ترك العالم، بما فيه الطبيعة، خاضعا لمنطق الأسواق المتنافسة بلا قيود أو مبادئ أو التزامات إنسانية.
ولما كان الوطن العربى جزءا من العالم المعولم وخاضعا لمتطلبات النظام النيولبرالى الرأسمالى فإن النتيجة هى أن يعانى ضعف ما يعانية الآخرون: نتائج إخفاقاته الذاتية ونتائج إخفاقات باقى العالم من حوله.
إن الوعى باقتراب تلك الكوارث البيئية مفقود، مع الأسف، لدى أغلب مؤسسات إدارات الحكم والمجتمعات فى بلاد العرب. ذلك أن انغماسها العبثى فى مماحكات الصراعات الدينية والمذهبية والقبلية من جهة، وسقوط غالبيتها تحت إملاءات الخارج من جهة أخرى، يجعلها مشدودة إلى جنون الحاضر على حساب متطلبات المستقبل.
فإذا كان جوع ملايين الأطفال العرب، وأمراضهم، وتشردهم فى الشوارع وفى معسكرات اللاجئين الهائمين على وجوههم، وإذا كان دمار المدن بمدارسها ومستشفياتها ومساكنها وأسواقها، وإذا كان بيع النساء العربيات وشراؤهن فى أسواق نخاسة البرابرة الجهاديين المتوحشين كبيع وشراء العبيد والبغايا..، إذا كان كل ذلك لا يحرك ساكنا فى ضمائر الغالبية الساحقة من المسئولين العرب ولا حتى يقنعهم بالاجتماع لمناقشة تلك المآسى وفعل شيء لمعالجتها، فهل ننتظر أن يوجد وعى بإمكانية حدوث ظواهر طبيعية مفجعة، هى الأخرى ستنشر الجوع والمرض والدمار فى طول وعرض الوطن العربى؟
***
الكتاب يقرأ من عنوانه، وعنوان الكتاب العربى الذى يكتبه مجانين هذه الأمة فى الحاضر يخبرنا بأن الضمائر قد ماتت، والقيم والأخلاق قد تراجعت، والقلوب قد قست والأنانية الفاسدة تهيمن على المشهد، وبالتالى فلا مكان لتجفيف دمع أو لتهدأة نواح أو لضمة حنان لا للبشر ولا للبيئة. فى طول وعرض بلاد العرب يرقص الشياطين بافتخار وفرح وشماتة، بينما تقف الملايين فى ازدحامات البؤس والتيه واليأس.
إذا كانت المجتمعات العربية تريد، على الأقل، تجنيب نفسها، مع بقية العالم، ما ينتظره كوكب الأرض من غضب الطبيعة فلتنخرط مؤسساتها فى النضالات الكونية ضد الفكر والنظام الاقتصادى العولمى الذى سيسبب، إن لم يردع ويواجه، الكوارث الكونية الطبيعية من جهة، ولتتوقف تلك المجتمعات عن التفرج على بؤسها وعن الاستسلام لمسببى ذلك البؤس من جهة أخرى.
وإلا فمثلما تقف أمة العرب على حافة الانقراض الحضارى سيقف وطن العرب على حافة الانقراض الجغرافى.
البيئة العربية يجب أن تصبح ضمن أولوية أجندة النضال العربى، يدا بيد مع النضال من أجل شعارات الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية التى رفعتها جموع الملايين من شعوب هذه الأمة.

نقلا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كوارث البيئة العربية القادمة كوارث البيئة العربية القادمة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon