بقلم :علي محمد فخرو
كفانى تصريحان منسوبان إلى رئيس سلطة الكيان الصهيونى نتنياهو عن الكتابة فى حقائق التطبيع. التصريح الأول يقول بالفم الملآن بأن سياسة سرقة مزيد من الأراضى الفلسطينية لن يغيرها أو يوقفها أى تطبيع أو إعلان سلام. وهذا يعنى فى الأعماق أن تمدُد الكيان الصهيونى ليستولى على كل فلسطين لازال مطلبا استعماريا استئصاليا قائما، ويعنى أيضا أن بناء المزيد من المستعمرات الصهيونية على فتات الأرض التى يملكها الفلسطينيون مؤقتا لن يتوقف.
أما التصريح الثانى فهو التأكيد على أن بقاء التفوُّق العسكرى الصهيونى على مجموع القدرات العسكرية العربية مجتمعة سيظل شعارا صهيونيا لا يمكن التنازل عنه، وبالتالى فإن الكيان لن يسمح قط للولايات المتحدة الأمريكية بتزويد جيش أى بلد عربى، حتى ولو وقّع على وثيقة سلام وتطبيع واعتراف، بسلاح متطور مماثل للذى تبيعه أو تعطيه أمريكا لجيش الكيان الصهيونى. فالتطبيع لن يعنى قط وجود منافس للهيمنة الأمنية والاقتصادية والسياسية الصهيونية على مجمل الإقليم العربى.
عندما ذكرنا فى مقال الأسبوع الماضى بأن ثوابت الاحتلال لم تتغيَّر قيد أنملة عبر السبعين سنة الماضية، وأنها لن تتغيَّر فى المستقبل، جاءت التصريحات تلك لتؤكد أنه حتى التغيير المؤقت لتسهيل عملية التطبيع فى الحاضر هو غير وارد على الإطلاق، وأن على المطبّعين أن يدركوا أن عملية التطبيع أو اتفاقيات السلام يضع شروطها ويحدد نتائجها ويرسم حدود مسيرتها الكيان الصهيونى، ولا غير الكيان. حتى الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف المسيحى ــ الصهيونى الأصولى، توضع له أيضا حدود فى هذه اللعبة. فالتصريحان موجهان أيضا إلى هذا الحليف المتيم العاشق للمشروع الصهيونى العولمى.
إذن لا نحتاج لتذكير المطبعين بالالتزامات الوطنية والعروبية والإسلامية والمسيحية والإنسانية تجاه الشعب العربى الفلسطينى الشقيق المواجه لأكبر وأحقر جريمة استعمارية استئصالية عرفها هذا العصر، ولا نحتاج للتذكير بمئات القرارات ولا بالمبادرات التى قبلها ووقع عليها المطبعون من قبل. وذلك أن التصريحين يكفيان للتأكيد على أن السلام مع هذا العدو سيبقى وهما ورغبة مفرغة من أى فهم للأيديولوجية الصهيونية الدينية الأساطيرية المفترية على التاريخ من جهة، ومن أى تحليل منطقى للمسيرة الدموية المافوية لذلك الكيان عبر سبعين سنة من جهة أخرى.
ويُظهر مرور كل يوم بأن موجة التطبيع ليست أكثر من التفاف حول «صفقة القرن» المقدّسة الشهيرة، بدليل أن أمريكا، بالرغم من انشغالها بفاجعة الكورونا، وبملايين العاطلين، وبالوضع الاقتصادى المتراجع، وبحمى الانتخابات الجنونية، فرَّغت كوشنر ووزير الخارجية ورجالات الاستخبارات ورجالات البيت الأبيض الآخرين للانغماس فى لعبة التطبيع، تصريحات يومية للضغط على المترددين العرب وسفرا محموما إلى العواصم العربية لإنهاء الصفقات قبل الانتخابات الأمريكية. حل الإشكالية الصهيونية لدى القيادة الأمريكية الحالية يعلو على حل الإشكاليات الأمريكية كلها. والسؤال: ما الذى تفرضه موجة التطبيع تلك من مسئوليات وخطوات، سواء بالنسبة للأنظمة الحكومية الممانعة للتطبيع أو بالنسبة للمجتمعات المدنية؟
أما بالنسبة لمثل تلك الحكومات فالأمر بالطبع راجع لها ولإمكانياتها. لكنها ستكون كارثة لو اقتصر رد فعلها فقط على التصريحات الخجولة والتمسك بالقرارات السابقة.
لكن ما يهمنا هو رد فعل الإخوة الفلسطينيين، ورد فعل مؤسسات المجتمعات المدنية العربية.
فلقد قالها الكثيرون بأنه ما لم تؤسس قيادة فلسطينية واحدة، منتخبة ديموقراطيا من كل الفلسطينيين فى الداخل وفى الشتات، وبالتالى الخروج من الخلافات والانقسامات العبثية السابقة، فإنهم لن ينجحوا فى تجييش الشعوب العربية للوقوف، قولا وفعلا، ضدً موجة التطبيع. الكرة الآن هى فى ملعبهم، وعليهم إتقان اللعبة.
ويبقى الدور الأساسى لمؤسسات المجتمعات المدنية العربية. هنا أيضا قالها الكثيرون، وهى أنه دون قيام جبهة واحدة، مكونة من الأحزاب والجمعيات المهنية والأهلية والنقابات والأفراد المناضلين، لقيادة محاربة التطبيع بألف شكل وشكل، وعلى كل مستوى نضالى، لإفشال كل محاولة صهيونية لاختراق عقول وقلوب الشعوب العربية ولاختراق مؤسساتهم وأسواقهم وأمنهم، إذا لم تقم كذا كتلة فإننا سنظل نراوح فى مكاننا: نمارس الكلام ونقف عاجزين عن الفعل.