توقيت القاهرة المحلي 09:22:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تجار الحروب إذ يحتفلون بالسلام

  مصر اليوم -

تجار الحروب إذ يحتفلون بالسلام

بقلم - علي محمد فخرو

العالم لا يتوقف فيه اختلاط مشاهد الدراما بمشاهد الكوميديا. فمنذ بضعة أيام تجشم قادة سبعين دولة، مع جيش من الحاشية والمساعدين والسائحين المتفرجين، عناء السفر إلى باريس ليحتفلوا بمرور مائة عام على حلول سلام لم يساهموا فى صنعه ولا فى تثبيته ولا فى حمايته.
سلام تبعته حرب عالمية ثانية، فاقت فى دمارها وعدد موتاها ما حصدته الحرب الكونية الأولى، ثم تبعت ذلك عشرات الحروب والصراعات شبه الكونية والإقليمية والمحلية التى لا يزال بعضها معنا إلى يوم احتفالنا الباريسى ذاك.
قمة عبثية ذلك الاحتفال هى فى وجود عدد من الحاضرين المنافقين ممن يساهمون يوميا فى تأجيج الحروب والصراعات عبر العالم كله، وعلى الأخص عبر وطننا العربى المستهدف المنكوب، وفى تصنيع وبيع السلاح لكل من يدفع الثمن، دون ضوابط قيمية إنسانية وأخلاقية، وفى تباهى بعضهم المقيت. بأهمية الدور الذى تلعبه صناعة السلاح فى اقتصاد بلدانهم، وفى الدعم اللا محدود لأبحاث وتطوير تكنولوجيا السلاح ليمتلك كفاءة وفاعلية أكبر فى قدراته التدميرية للعمران وللإنسان.
فإذا أضيف إلى ذلك تواطؤ بعضهم مع مؤسسات استخباراتهم لخلق وتدريب وتمويل وتسليح شتى أنواع الميليشيات الإرهابية الإجرامية لتدمير هذا البلد أو لزعزعة ذلك النظام أو لاغتيال السياسيين والعلماء والصحفيين والشباب المناضلين الأحرار، أدركنا حجم النفاق وتنوع الأقنعة وكذب الخطابات فى ذلك السيرك الباريسى الرافع، زورا وبهتانا، لشعار نبيل كشعار السلام.
***
هل حقا أن تاريخ الإنسانية، منذ التوقيع على سلام 1918 وعبر مائة سنة، يستحق أن يحتفى به؟ أليس ما رآه هذا العالم إبَّان تلك الفترة القصيرة يؤكد ما قاله الفيلسوف كانت عن التاريخ، من أنه «محاك من حماقات وغرور وشرور بشرية وأن التاريخ ليس سجلا للحكمة الإنسانية، وأن أى تقدم حصل لا فضل فيه للبشر وإنما لقوانين وخطة الطبيعة التى ينفذها البشر»؟
بل، ويالسخرية القدر، فإن الذى حصل فى المائة سنة الماضية يناقض ما قاله الفيلسوف الفرنسى الشهير فولتير من أهمية العقل فى التاريخ، إذ لم ير العالم طيلة المائة سنة تلك إلا عنفوان وبلادات اللا موضوعية، وإلا جرائم التوحش البربرى اللا إنسانى.
نحن العرب بالذات، صدقنا بعفوية وبراءة وعود وخطابات الذين وقعوا على وثائق ذلك السلام يوم 11 نوفمبر 1918. وإذا بالذين وقعوا يطعنوننا فى الخاصرة، فيقسموا مشرق وطننا العربى عن طريق اتفاق سايس ــ بيكو الشهير. فلا بريطانيا المنتصرة وفت بوعودها ولا فرنسا الخارجة من ويلات الهزيمة تعلمت الدرس.
وما إن مرت بضع سنوات على تلك الاتفاقية التجزيئية الاستعمارية المشئومة حتى فاجأنا نفس غرب «السلام» بزرع كيان استعمارى استئصالى صهيونى فى فلسطين العربية المحتلة، تعويضا لليهود عن جرائم ارتكبها بحق بعضهم ذات الغرب الأوروبى الذى دشن قرن ذلك السلام المزعوم.
ولم يقف الأمر عند ذلك الحد فقد نصب الغرب نفسه كمانع لأى وحدة عربية من أى نوع كان وفى أى مكان، وكان عراب لكل مصالحة أو تطبيع أو سلام مع الكيان الصهيونى الذى ابتلع أكثر من خمس وثمانين فى المائة من أرض فلسطين العربية التاريخية ويحتل الجولان وأجزاء من جنوب لبنان، وأخيرا أصبح الغرب، ممثلا بأمريكا، أداة من أدوات إنهاء القضية الفلسطينية، وذلك على حساب أربعة عشر مليونا من الفلسطينيين. كما أن دماء الضحايا تقطر من يد هذا الغرب بتدخلاته ومؤمراته فى العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرهم، وبألاعيب استخباراته وتناغم خططها مع ألاعيب وخطط مجموعات من الجهاديين المجانين المحسوبين، كذبا وتلفيقا، على دين الإسلام.
فهل بعد كل ذلك يراد لنا أن نرحب ونصفق ونهلل لاجتماع السلام فى باريس، بعد أن خبر العالم نتائج ومصائب سلام 1918؟ وبعد أن اكتوينا، نحن العرب، بنيران بعض دول الغرب التى حرقت الأخضر واليابس فى أرضنا ومنعت وحدة أمتنا ونهوضنا من تخلفنا التاريخى بشتى الحيل والتبريرات؟
ما يحتاجه هذا العالم ليست تلك الشعلة التى تحترق ليلا ونهارا فوق قبر الجندى المجهول، تحت قوس النصر، فى شارع الشانزليزيه الجميل الأنيق.
ما يحتاجه العالم هو إشعال شعلة المشاعر الإنسانية العادلة الخيرة الأخلاقية فى قلوب المسئولين والشعوب، وعلى الأخص مسئولو وشعوب دول القوة والجاه والغنى الغربية الماسكة برقاب العباد، والتى لا تشبع ولا ترتوى من ثروات الآخرين الفقراء الضعاف المغلوبين على أمرهم.
الكثيرون من الذين وقفوا فى باريس ليرفعوا راية السلام يحتاجون أولا إنزال رايات الحروب التى ترفرف فوق رءوسهم، كفى نفاقا وتدليسا ولبس أقنعة وانتهازية سياسية، فقد اتخموا العالم بتلك الرذائل وأوصلوه إلى مراحل الغثيان.

نقلا عن الشروق القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تجار الحروب إذ يحتفلون بالسلام تجار الحروب إذ يحتفلون بالسلام



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon