توقيت القاهرة المحلي 12:48:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تراجع علاقات القوة فى مجتمعات العرب

  مصر اليوم -

تراجع علاقات القوة فى مجتمعات العرب

بقلم: علي محمد فخرو

ما العامل المشترك فيما يحدث من حراكات جماهيرية، بقيادة وتضحيات شبابية، على الأخص فى مدن العراق ولبنان والجزائر والسودان، وفى هذه اللحظة التى تعيشها الأمة العربية؟
ما يحدث، هو تتمة لتغيُر ذهنى وشعورى نفسى بدأ منذ عشر سنوات، عندما كسر الإنسان العربى حاجزى الخوف من السلطة الاستبدادية واللامبالاة، تجاه ممارساتها الفاسدة الأنانية الاحتكارية فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية العربية.
الآن تضيف تلك الحشود الجماهيرية انتقالا ذهنيا آخر، بالغ الأهمية والعمق، يتمثل فى الرفض التام من قبل المتظاهر لكل أنواع الوسائل والألاعيب والأكاذيب التى كانت تستعملها مختلف السلطات المجتمعية من أجل تدجينه الذهنى والنفسى والسلوكى ليقبل احتكارها للقوة السياسية والقوة الاقتصادية والاجتماعية وبالتالى ليقبل، باقتناع أعمى وتضليل تجهيلى، لاحتكار رجالات تلك السلطات لكل الامتيازات المادية والمعنوية، ولكل مصادر القوة فى المجتمع، بينما يقبل هو، المواطن المدجن، بالفتات من ثروات المجتمع بكل أشكالها، وبندرة الفرص الحياتية من أمامه.
الكتل البشرية، كأفراد وكجماعات، إذن، قد بدأت تعى وتشعر بوجع تلك الأصفاد التى تكبلها، أصفاد الوسائل الاقناعية القمعية المخفية وراء ألف قناع وقناع، دلائل الانتقال الذهنى والشعورى الجديد يلاحظها الإنسان فى الشعارات التى ترفع، وفى كتابات التواصل الاجتماعى، وفى تصريحات البعض لوسائل الإعلام المختلفة.
فشعار الرفض التام للمحاصصات الطائفية فى السياسة هو إيذان بالتمرد على استعمال الدين كوسيلة انتهازية للهيمنة على السياسة، وهو رفض لعلاقة القوة الخفية الموجهة بين المواطن وبين هذا الفقيه أو ذاك القسيس، فالعمامة أو القلنسوة لن تقبل أن تكون رمزا ومدخلا لعلاقة قوة من قبل لابسها أمام ضعف واستسلام من قبل المواطن المتلقى لتوجيهات أصحابها.
شعار رفض المحاصصات القبلية والعشائرية والعائلية والإثنية، التى تحكم الكثير من الحياة السياسية العربية، هو إيذان برفض العلاقات الأبوية البطريركية الاستبدادية فى جميع مؤسسات الدولة والمجتمع، ابتداء بالعائلة، حيث سيطرة الأب، وانتهاء بالدولة، حيث الاحتكار المحكم لمصادر القوة والسلطة والامتيازات لمصلحة طبقة أو نخبة أو أقلية، وعلى حساب ومصالح وحقوق مؤسسات وأفراد المجتمع المدنى.
وانتقال الجماهير إلى الاستعمال المكثف لوسائل ومناقشات التواصل الاجتماعى هو الآخر محاولة للفكاك من هيمنة علاقة القوة مع الإعلام العربى. فوسائل الإعلام الرسمية على الأخص، والتى كان لها تأثيرها الكبير فى الإقناع والتوجيه والحفاظ على اللامبالاة، ستجد نفسها معزولة فى ساحات الصخب التى نشاهدها أمامنا.
وحتى المؤسسات المدرسية والجامعية ستجد أن قبضتها السابقة تضعف شيئا فشيئا، إن لم تجر تغييرات كبرى فى أسلوب ومحتوى خطابها التعليمى والتثقيفى. علاقة القوة فيما بينها وبين طلابها فى ضبط الفكر والسلوك لن تصمد أمام الوعى التمردى الجديد.
وإذا كانت المؤسسة العسكرية والأمنية ستظل تعتقد بأن الأوسمة على صدور قادتها ستحميها من التمرد على علاقة القوة فيما بينها وبين مواطنيها فإنها واهمة وترتكب خطأ كبير. لن تكون هذه المؤسسة العريقة، التى وقفت على أرض صلبة عبر التاريخ الطويل، محصنة أمام هذا الوعى الجديد لكسر كل علاقات القوة الظاهرة والمخفية.
نحن، إذن، أمام إمكانية ضعف وتراجع العوامل والعلاقات التقليدية التى شكلت فى الماضى، وعبر قرون طويلة، الأسس الرئيسية التى قامت عليها المجتمعات والدول العربية، وعلى الأخص علاقات استغلالية المناصب ومواقع القوة.
يتضح أمامنا تدريجيا أن الحشود الجماهيرية الصاخبة، لكن المنظبطة والمسالمة إلى حد كبير، قد حسمت أمرها بشأن تطوير الحاضر البائس إلى مستقبل أفضل، خصوصا بعد قرارها بالتمرد على علاقات القوة فى مجتمعاتها ما يبقى الآن هو أن تحسم مختلف سلطات الدولة العربية أمرها لتساعد على الإنتقال إلى ذلك المستقبل بأقل الآلام والتضحيات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تراجع علاقات القوة فى مجتمعات العرب تراجع علاقات القوة فى مجتمعات العرب



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon