بقلم :مجدى علام
كلما يأتى شهر رمضان المبارك أو يحل يوم عرفة وأيام الحج يتكرر حديث العلماء فى وصف أهمية المناسبة باعتبارها «أيام الله»، وأيام الله مواسم للعبادة، ذكر القرآن بعضها وسكت عن بعضها وأوضح الرسول (صلى الله عليه وسلم) أهمها، فقال إن أعظمها آخر عشر ليال فى رمضان حيث ذكر (صلى الله عليه وسلم) عن ليلة القدر: «ترقبوها فى الليالى العشر الأخيرة من رمضان»، وفى أحاديث أخرى «ترقبوها فى الليالى الوتر من العشر الأواخر»، وهكذا فإن أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) تؤكد أن الليالى تخص رمضان وحده، بدليل قوله عن ثواب الحج عن «يوم عرفة» إن «من صام يوم عرفة فقد غفر الله له ذنوب السنة كلها».
والغريب أن أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) حينما يتحدث عن رمضان لا يذكر «أيام رمضان» ولكن دائماً ليالى رمضان، وحينما يتحدث عن الحج يؤكد عن يوم عرفة ويوم النحر ويوم النفرة، إلى عرفة ويوم الرمى الأول فجراً وظهراً فى منى ثم فجر وظهر يوم الثانى من منى ثم فجر وظهر اليوم الثالث، ولا يذكر فى الحج ليالى مطلقاً بينما الأحاديث عن رمضان كلها ليالٍ!!والمدهش أن القرآن الكريم حينما ذكر الحج قال تعالى (واذكروا الله فى أيام معدودات.
فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه. لمن اتقى. واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون) [البقرة: 203]. وتجنب القرآن فى كل آيات الحج أن يأتى بذكر كلمة «ليلة» أو «ليالٍ».
إذن، نحن أمام أحاديث وآيات كلها تربط عبادة الحج بالأيام وليس الليالى.ولكن المفسرين حينما جاءوا إلى سورة الفجر، قالوا عن سورة الفجر إنها تقصد أيام الحج، والغريب أن النص القرآنى يذكر بوضوح (والفجر. وليال عشر. والشفع والوتر)، وأى قارئ مبتدئ يقرأ الآيات فى هذا السياق يجد أنه يتحدث عن ليالى رمضان، وليس أيام الحج، ولكنهم يصممون على أن الليالى العشر هى أيام الحج، العشر الأوائل من ذى الحجة، وأنا أستحلفهم بالله من أين جئتم بالأيام فى موضوع الليالى.
واحتار بعضهم بين أهمية الليالى العشر فى ختام رمضان فقالوا إنها ليال مهمة جداً للعبادة وثوابها أعلى من ثواب أيام الحج لأنها بها ليلة القدر، ولكن ثواب نهارها أقل من ثواب أيام الحج العشر لأنها تضم يوم عرفة وهنا أثبت المفسرون معظمهم أن عبادة الحج أيام ورمضان عبادة ليال.
والحقيقة أن رمضان ترتبط عبادته وفضله بقيام الليل وصيام النهار، ولذلك فإن الليالى، خاصة العشر الأواخر، هى ليالى صلاة القيام وصلاة التهجد وشموله لليلة القدر ولذلك فإن سورة الفجر تختص بشهر رمضان ولياليه العشر بوضوح لا لبس فيه، يقال إنها التى أتم بها الله الأربعين ليلة فى سيناء لنبى الله موسى والقرآن يقول فيها إنها ليالٍ، أما العشرة أيام الأول من ذى الحجة فهى «أيام الله» التى ذكرها القرآن عدة مرات، ومناسك الحج كلها أيام وليس ليالى فالناس تتحرك ليلاً لكى تلحق بيوم عرفة من أوله أى منذ فجر عرفة وحتى فجر اليوم التالى ويوم النحر (ليس ليلة النحر) ويوم الرمى (وليس ليلة الرمى) الأصل فيه الرمى بعد الظهر، وتخفيفاً تم السماح بالرمى بعد الفجر، إنها مناسك نهار وليست مناسك ليل، حتى عبادة الليل المفروضة من مغرب وعشاء صلاها الرسول قصراً بالمزدلفة وبسرعة لكى يلحق بالمبيت بمنى لكى يبدأ يوم الرمى فى نهاره ولا مكان لليل فى عبادة الحج إلا ما تعارف عليه الناس من ثواب أكبر بتكرار التكبير والدعاء.
وختاماً: أرجو من أساتذتى مفسرى القرآن مراجعة الأحاديث والآيات للتأكد من أن عبادة الحج أيام ولكن سورة البقرة.. آية 184 عن الصوم تقول (أياماً معدودات، فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر... إلى آخر الآية)، كهلال رمضان ثم تليها الآية 185 (شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه) ثم ذكرت الآية (ولتكملوا العدة) أى عدة أيام شهر رمضان (ولتكبروا الله على ما هداكم) أى فى صلاة العيد.
ثم يلفت النظر أنه يختتم الحديث عن شهر رمضان بوقت الدعاء الذى هو عادة فى دعاء صلاة القيام ليلاً (وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب) خاصة فى ليلة القدر (أجيب دعوة الداعى) وهل هناك دعوة صادقة أو خالصة سوى فى صلاة القيام وصلاة الفجر، ثم (فليستجيبوا لى) بكثرة الدعاء (وليؤمنوا بى) بكثرة التقوى (لعلهم يرشدون) أى يؤتيهم ربهم من فضله رشداً.
ثم جاء الحديث عن دور الليالى فى رمضان (أحل لكم)، تَذكّر جملة «وليال عشر»، ثم نهاية الليلة فجر (الخيط الأبيض من الخيط الأسود)، (ثم أتموا الصيام إلى الليل) ثم الآية تتحدث عن الأهلة (هى مواقيت للناس والحج) والهلال لا يظهر إلا ليلاً كهلال رمضان لصوم يوم رمضان ولكن يوم عرفة والعشرة أيام من ذى الحجة هى ضمن أيام شهر كامل من الأشهر الحرم التى هى كلها أشهر حرام ولم يكن بينها رمضان فحرم شهر رجب منفرداً ثم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وكلها أيام الله أما رمضان فقد اختصه الله بليالى الدعاء وليلة القدر واختص الحج بأيام معدودات لم يذكر فيه «ليالى» أبداً. والله أعلم.