بقلم - محمد صلاح البدرى
الصدفة وحدها هى التى قادتنى للاطلاع على مناهج مادة العلوم التى يدرسها أصغر أبنائى فى المرحلة الابتدائية.. لا أذكر أننى حظيت بتلك الفرصة من قبل مع أختيه الأكبر سناً.. ربما هو الفضول الذى دفعنى لتصفح ذلك الكتاب اللامع الذى يحمل صوراً ملونة.. أو ربما هى تلك الأسئلة التى لا تتوقف من ذلك الصغير الذى يتحسس العالم.. والتى يدور جزء كبير منها -بحكم الظرف العالمى الخاص بـ«كوفيد»- حول الفيروسات والبكتيريا وكيفية الوقاية منها.. والتى جعلت سؤالاً مهماً يقفز فى ذهنى.. وهو: لماذا لم تتغير المناهج الدراسية خلال العامين الأخيرين لتواكب التغيرات التى حدثت للعالم؟!
لا أعتقد أن علم مكافحة العدوى والطب الوقائى قد حظيا باهتمام البشر عبر التاريخ مثلما حدث فى العامين الأخيرين بكل تأكيد.. الأمر لم يعد يقتصر على الأطباء والعاملين بالقطاع الطبى وحدهم.. بل شمل كل من يعيش على ظهر هذا الكوكب دون أدنى مبالغة..!
الكل قد أدرك أهمية وقيمة الطب الوقائى ووسائل الحماية الشخصية.. الجميع أصبحوا يبحثون عن أنواع المطهرات وكيفية استخدامها.. أصبح الحديث عن أنواع الكمامات ودرجة الحماية التى يقدمها كل نوع حواراً تقليدياً يمكن أن تسمعه فى المواصلات العامة.. أو تقرأ عنه بالصدفة على أحد مواقع التواصل الاجتماعى دون أن تتعجب من دقة المعلومات التى يتم تداولها والتى لم تكن مطروحة للعامة من قبل..!
لقد تمكن «كوفيد» من إحداث تغييرات جذرية فى سلوك العالم الصحى.. وأصبحت مكافحة العدوى ركناً أساسياً فى كل قواعد الحياة والعمل.. بل والترفيه أيضاً..!
الفكرة أن الأمر لم يثر انتباه أحد حتى الآن لإعادة تشكيل المناهج الدراسية لتواكب الشكل الجديد للحياة.. مكتفياً بما يتلقاه الطلبة فى مراحل الدراسة المختلفة.. والذى لا يزيد على مجرد تنويهات متناثرة فى مناهج القراءة، والاطلاع عن أهمية النظافة الشخصية.. أو حتى فى مادة العلوم لشرح أنواع البكتيريا والفيروسات.. كل هذا دون منهجية واضحة.. ودون حتى أن يتم تحديث المعلومات المذكورة فى تلك الدروس لتواكب التحديات الجديدة التى فرضها «كوفيد» اللعين..!
لم يفكر أحد فى إضافة مادة للثقافة الصحية لطلبة المرحلة الابتدائية أو حتى لمرحلة رياض الأطفال.. لم يحاول أحدهم أن يقر منهجاً متكاملاً يشرح فيه سبل مكافحة العدوى وطرق التعقيم وأدواته لتلك الفئات العمرية..!
مجهود محمود لا يمكن إنكاره قامت به الدولة عبر وسائل إعلامها لنشر الوعى الصحى فى كل مكان متاح.. حملات توعية مباشرة ومكثفة تم بثها عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة لنشر الثقافة الصحية وطرق الوقاية ومكافحة العدوى لكل الفئات.. ولكنى أعتقد أن الأمر يحتاج إلى تعامل بشكل أكثر منهجية..!
المشكلة أن مكتبات كليات التربية فى مختلف الجامعات المصرية تمتلئ بالأبحاث ورسائل الماجستير والدكتوراه التى تتحدث عن التثقيف الصحى لطلبة المدارس.. دون أن يقرر أحدهم الاستفادة منها بشكل عملى.. ودون أن يفكر أحد فى دراسة تنفيذ إحدى تلك التجارب التى أثبتت نجاحاً على المستوى النظرى والتطبيقى!!
إن الوصول إلى هذه المرحلة السنية بمعلومات مبسطة وواضحة عن الثقافة الصحية وسبل الوقاية سيكون مفيداً بكل تأكيد فى حماية المجتمع كله ليس من «كوفيد» وحده.. بل من العديد من الأمراض الوبائية فى المستقبل.. وإقرار منهج واضح مستقل سيعزز كثيراً من مجهودات الدولة لنشر الوعى الصحى بين فئاته المختلفة..!
أعتقد أن الوقت قد حان لتصبح الثقافة الصحية مادة مستقلة.. فتلقينها للطلبة فى سن مبكرة سيعزز حملات التوعية ضد «كوفيد» وما سيأتى من بعده.. أو هكذا أعتقد!