بقلم - محمد صلاح البدرى
منذ عدة أسابيع أصدر السيد رئيس مجلس الوزراء القرار رقم 1804 لسنة 2022 الذى يقضى بالموافقة على مد إجازات العاملين بالخارج من المخاطبين بقانون الخدمة المدنية ومن المنتمين للهيئات الخدمية والاقتصادية وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال لمدة عام جديد دون التقيد بعدد سنوات الإجازة السابقة.. القرار لم يحمل أى استثناء لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية.. وهو ما يعنى الموافقة على مد إجازات أعضاء هيئة التدريس الذين أتموا عامهم العاشر للعمل بالخارج باعتبارهم عاملين بإحدى الهيئات الخدمية فى الدولة!
القرار دفع أحد الأصدقاء الذى يعمل عضواً بهيئة تدريس إحدى الجامعات المصرية، ومعار للخارج منذ عشر سنوات أن يتقدم لتجديد الإجازة الخاصة به من جامعته.. إلا أن رئيس الجامعة قد رفض الطلب دون أن يحدد أسباب الرفض.. أو حتى يدفع بدليل على استثناء أعضاء هيئة التدريس من قرار رئيس الوزراء!
أزمة حقيقية تعانى منها الجامعات المصرية منذ فترة طويلة.. أزمة يمكن تلخيصها فى فكرة تحول الأستاذ الجامعى من «عالِم» ينبغى الاستفادة منه إلى موظف عام يبحث عن فرص أفضل للعمل وتحسين الدخل.
كم عضو هيئة تدريس لم يُدرِّس محاضرة واحدة للطلبة منذ بداية الدراسة حتى الآن؟.. بل ولم يشرف على بحث أو رسالة ماجستير أو دكتوراه منذ عام ويزيد.. بل كم منهم لم يقدم بحثاً منشوراً بأى دورية علمية منذ سنوات؟! أعرف عضواً بهيئة تدريس إحدى الجامعات لم يقدم بحثاً واحداً منذ أكثر من ثمانى سنوات بعد حصوله على الدكتوراه حتى الآن.. ويعلنها صراحة أنه لن يقدم أبحاثاً أو يشرف على رسائل لأنه -بنص حديثه- لا يرى أنها ستضيف إلى راتبه شيئاً!
الأزمة الحقيقية للجامعات المصرية ليست فى مد إعارات أعضاء هيئة التدريس بعد العام العاشر أو حتى العام الخمسين.. الأزمة فى أن النظام الحالى للجامعات -وعذراً على القسوة- جعل فيها أكبر نسبة بطالة مقنَّعة فى هذا الوطن!
أعضاء هيئة التدريس العاملون بالخارج يشكلون مصدراً مهماً للقوة الناعمة لمصر فى الخارج وخاصة فى دول الخليج.. كما أنهم يساهمون بقدر لا بأس به فى تحويلات المصريين بالخارج من العملة الأجنبية.. بالإضافة إلى أنهم يتحملون قيمة تأميناتهم سنوياً.. فلماذا لا يتم السماح لهم بالتجديد؟!
لن يؤثر تجديدهم بكل تأكيد على العملية التعليمية.. كما أنهم لن يحرموا زملاءهم من فرصة السفر وهو ما كان السبب الرئيسى لفكرة تحديد مدة الإعارة.. فكل عام يتم تعيين المئات من الأعضاء الجدد..!
الحل فى رأيى ليس فى رفض التجديد لهم.. بل يكون بتغيير المنظومة بأكملها.. الحل فى أن يتوقف تعيين أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بالجامعات المصرية بشكل دائم.. ويتحول الوضع إلى تعاقد محدد المدة.. يتم بعده مراجعة كل منهم.. ودراسة قيمة ما قدمه للجامعة أو المركز البحثى الذى يعمل فيه.. وعدد الأبحاث التى نشرها والرسائل التى أشرف عليها.. ثم يتم اتخاذ القرار بعدها بتجديد التعاقد أو إنهائه..!
الأمر بهذه الصورة سيسمح بالكثير من المرونة فى المقابل المادى الذى يتقاضاه العاملون بالسلك الجامعى.. وسيقضى على «التكاسل» الذى يصيب الغالبية العظمى من أعضاء هيئة التدريس.. بل وسيجعل الجميع يسعى طوال الوقت للمساهمة فى البحث العلمى بشكل منتظم..!
أعتقد أن دراسة حقيقية لتعديل قانون العمل بالجامعات المصرية قد بات ضرورة ليتناسب مع متطلبات العصر.. والعمل على تعديل نظام التعيين والتعاقد بل والترقيات ليرتبط بالإنتاج العلمى نفسه.. مع السماح بالسفر والعمل بالخارج للراغبين فى ذلك من العاملين الحاليين..!
إن الدولة المصرية تمتلك من الثروة البشرية ما يجعلها من أغنى الدول فى العالم.. والحفاظ على قوتها الناعمة يقضى بأن يصبح أبناؤها سفراء فى الجامعات العربية والأفريقية بشكل مستمر.. يبقى أن ننظم الأمر ليحصل كلٌ على حقه.. أو هكذا أعتقد!