بقلم - محمد صلاح البدرى
لم يواجه العالم أزمة اقتصادية بهذه القوة منذ زمن بعيد.. البعض توقع ركوداً اقتصادياً وارتفاعاً كبيراً فى نسب التضخم عقب انتهاء أزمة كوفيد ١٩، ولكن أحداً لم يتخيل أن الأزمة ستصل إلى هذا الحد..!
هى أزمة حقيقية معقدة.. صنعها ذلك الفيروس اللعين بإجراءات الوقاية منه والحد من انتشاره.. واستمرت فى الانفجار بعد نشوب الحرب الروسية الأوكرانية التى أثرت بشدة على سلاسل الإمداد والتموين فى العالم كله.. حتى إن البعض يتنبأ باستمرار الأزمة وزيادة تبعاتها حتى نهاية العقد الحالى..!
أكثر من دولة أوروبية كبرى تعانى من ارتفاع ملحوظ فى نسب التضخم وأزمة كبيرة فى مصادر الطاقة تحديداً.. الولايات المتحدة تعانى من أكبر أزمة ركود اقتصادى منذ أربعين عاماً.. معظم الدول النامية تعانى من نقص حاد فى السلع الأساسية!
لم يعد الرهان على النمو الاقتصادى بشكله المعروف مقبولاً.. أصبح البحث عن شكل مختلف للاقتصاد ضرورة ملحة.. وهنا يظهر للجميع أهمية ما كان يُعرف باقتصاد المعرفة..!
المصطلح نفسه ليس جديداً بل يعود إلى منتصف خمسينيات القرن الماضى.. وهو يعنى أن تكون المعرفة هى المحرك الرئيسى للنمو الاقتصادى.. ليصبح الابتكار والإبداع أحد أهم أساسيات الاقتصاد.. ويصبح التعليم المتطور ومواكبة العصر فى التكنولوجيا الحديثة أساساً للتنافسية الاقتصادية..!
وعلى العكس من الاقتصاد المبنى على الإنتاج والذى تلعب فيه المعرفة دوراً أقل بينما يكون النمو مدفوعاً بعوامل الإنتاج التقليدية.. فإن الموارد البشرية المؤهلة وذات المهارات العالية، أو رأس المال البشرى، هى أكثر الأصول قيمة فى هذا النوع من الاقتصاد الجديد!
بمعنى أكثر وضوحاً أصبح وجود خط اقتصادى قائم على إنتاج المعرفة وتقديمها كسلعة متاحة للآخرين هو إحدى أهم وسائل النمو التى يبحث عنها العالم فى هذه الأزمة.. وهو ما يجعل الاستثمار فى البشر وتدريبهم وتعليمهم أمراً حيوياً وهاماً..!
أفضل مثال لهذا النوع من الاستثمار ظهر واضحاً خلال أزمة كوفيد نفسها.. فبعد أقل من شهر على انتشار كوفيد كانت المعامل البيولوجية فى أكثر من دولة قد تمكنت من تحديد خريطته الجينية.. وبعد أقل من شهور ستة من انتشاره ظهر للوجود أول مصل للوقاية منه.. ثم تحول هذا المصل وغيره من الأمصال التى ظهرت تباعاً إلى إحدى أهم وسائل الربح للشركات المنتجة له.. حتى إن شركة فايزر وحدها قد تمكنت من تحقيق أرباح تقترب من ٢٢ مليار دولار بحسب ما أعلنت عنه رسمياً فى فبراير الماضى..!
فى مصر نمتلك بالفعل ثروة بشرية ضخمة.. ثروة يمكن استغلالها فى هذا النوع من الاقتصاد بسهولة إن تم وضع خطة واضحة للاستثمار فى البحث العلمى وتطويره.. لم تعد رفاهية الانتظار واستهلاك ما يقدمه الغرب متاحة إلى حد كبير.. وأصبح ضرورياً أن نمتلك ما نقدمه نحن للعالم نظير ما نحصل عليه.. أو حتى نظير مقابل يمكّننا من مواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية..!
فى رأيى ينبغى وضع خطة عاجلة لتطوير البحث العلمى فى مصر.. ينبغى أن تتم الاستفادة من كل العقول المصرية التى ابتُعثت للخارج خلال العقود الماضية ولم تجد بيئة مناسبة للعمل بعد أن عادت لأرض الوطن..!
إن اقتصاد العالم كله قد أصبح على المحك.. ولن ينجو من تلك الأزمة إلا من تمكن من استثمار ما يمتلك.. فقط نحتاج إلى أن نعرف قيمة هذا الاستثمار وكيفية إدارته.. أو هكذا أعتقد..!