بقلم - محمد صلاح البدرى
بين كل المشاكل التى يعانى منها القطاع الصحى تظل جودة الخدمة من أهم العوامل التى ينبغى تحقيقها بنفس الدرجة التى تحظى بها عوامل الإتاحة وضمان الاستمرارية..!
الرعاية الصحية هى إحدى الخدمات التى تقدم للمواطن، وينص الدستور على التزام الدولة بإتاحتها وضمان استمرارها دون مخاطر الانقطاع أو النقص.. وهى تعد من أهم التحديات التى تواجه الأنظمة فى العالم أجمع.. وأحد أهم عوامل رضا المواطن، الذى هو غاية كل العملية السياسية..!
والحقيقة أنه فى المسافة ما بين حق المرضى فى الحصول على رعاية صحية سليمة وبجودة مرتفعة وبين حق مقدمى الخدمة الصحية فى الحصول على بيئة عمل مناسبة من مقابل مادى وتدريب وتعليم، بالإضافة إلى حماية مقبولة، تقف معظم مشاكل القطاع الصحى ليس فى مصر وحدها بل فى العالم أجمع..!
المشكلة أن الصورة لا تبدو مكتملة أمام أى طرف من الأطراف.. فبينما يشكو المريض من الإهمال الذى يعتقد أنه قد حدث له أو يحدث بشكل ممنهج فى كل مراكز تقديم الرعاية الصحية دون استثناء حتى الخاص منها.. أو من انخفاض جودة الخدمة المقدمة، التى يرى أنها أقل مما يفترض أن تكون عليه دون سبب واضح.. تجد مقدمى الخدمة من أطباء وممرضين يشكون من الأمر ذاته.. بل إن انخفاض جودة الخدمة ربما يكون شكوى الطبيب وليس المريض؛ لأنه ببساطة لا يتمكن من تقديم أفضل ما لديه لنقص فى الإمكانيات أو رداءة بيئة العمل..!
أكثر من ثلاثة آلاف بلاغ للنيابة العامة يتم تقديمها سنوياً بتهمة الإهمال الطبى والخطأ المهنى.. ونفس العدد ويزيد -بحسب الأرقام الصادرة من نقابة الأطباء- تجد بلاغات الاعتداء على الأطقم الطبية فى استقبال الطوارئ بالمستشفيات العامة.. كلها أرقام إن دلت، فإنها تعكس واقعاً ليس بالجيد بكل تأكيد لكل الأطراف، واقعاً يجعل الحديث عن جودة الخدمة درباً من دروب الخيال!!
الأزمة مزمنة لا شك فى هذا.. والحل لن يأتى بعصا سحرية أو فى أيام أو حتى شهور.. الحل يحتاج لاستيعاب المشاكل الموجودة ووضع الحلول بشكل عملى.. ليقف كل طرف أمام مسئولياته بشكل واضح..!
الحل لن يأتى إلا بالاعتراف بوجود فجوة كبيرة بين الواقع الذى يعيش فيه مقدمو الخدمة الصحية، والمأمول الذى يحلمون به ويعتقدون أنهم يستحقونه بكل تأكيد.. أعرف الكثير من شباب الأطباء لا يتجاوز دخلهم الشهرى من كل المصادر المتاحة الآلاف الثلاثة.. ومثلهم من أعضاء هيئة التمريض والفنيين الذين يتعرضون لنفس مستوى المخاطر ويعانون من نفس مشاكل انعدام الحماية أثناء العمل.. وفى الوقت نفسه فهؤلاء الأطباء والممرضون معرضون للمساءلة القانونية طبقاً لقانون العقوبات الجنائى فى حالة حدوث أى خطأ غير مقصود أو مضاعفات واردة الحدوث!! فكيف يمكن أن نطلب من هؤلاء تقديم خدمة طبية عالية الجودة؟!
هناك بعض النقاط الإيجابية التى تمت بكل تأكيد.. يأتى على رأسها زيادة بدل المخاطر الطبية الذى أقره السيد الرئيس فى نهاية العام قبل الماضى.. وتلك المحاولات لتغليظ عقوبة الاعتداء على المنشآت الصحية والعاملين بها.. ولكن يظل كل ما سبق بعيداً عن ما يفترض أن يكون عليه الحال.. وتظل أطراف المنظومة من أطباء وممرضين وفنيين يعانون من إشكاليات إجمالى الدخل المناسب وسبل الحماية المهنية!
فى رأيى أن الحديث عن جودة الخدمة الطبية دون توفير آليات أكثر تنظيماً وسرعة لتحسين بيئة العمل لمقدمى الخدمة.. بالإضافة إلى إيجاد آلية لمشاركة المريض فى تقييم موضوعى للخدمة ككل كما يحدث فى العالم كله هو أمر بعيد المنال.. أو هكذا أعتقد..!