بقلم: محمد صلاح البدرى
منذ أيام قليلة.. أصدر الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء تقريراً يفيد أن عدد السكان فى مصر بلغ ٩٨٫١ مليون نسمة.. بزيادة قدرها مليونا نسمة عن العام الماضى.. وبمعدل زيادة يمكن اعتباره من المعدلات الأعلى على مستوى العالم.. وهو أمر فى رأيى ينبغى النظر له بالكثير من الاهتمام.. بل ويمكننا اعتباره من الأولويات القصوى للتنمية المستدامة التى نسعى لها ونسير فى اتجاهها..!
لم لا والدراسات تؤكد أننا نحتاج إلى معدل نمو يبلغ ثلاثة أضعاف معدل الزيادة السنوية فى السكان -فقط- لنحافظ على ما نحن عليه من مستوى معيشى.. أى إن زيادة سنوية بمعدل ٢٪ فقط تلتهم فى وجهها نحو ٦٪ من معدل النمو فى الدخل القومى!!
والأمر ليس بعيداً عن ذهن أصحاب القرار فى هذا الوادى الطيب.. فقد حذر الرئيس السيسى أكثر من مرة وفى مناسبات مختلفة من خطر الزيادة السكانية.. مؤكداً أنها خطر مثل الإرهاب، وأنها تضيع كل جهود الدولة فى التنمية.. وأصدر توجيهاته فى كل مرة منها لاتخاذ الإجراءات المناسبة للحد منها.. ولكننى لا أعتقد أن الجهود المبذولة حتى الآن تكفى..!
أكثر من اقتراح تم تقديمه لإصدار تشريعات صارمة للحد من تلك الزيادة كما هو الحال فى بعض الدول مثل الصين.. التى تمنح الدعم والتعليم والتأمين الصحى للطفل الأول فقط.. أو الهند التى تسير على نفس النهج منذ فترة ليست بالقصيرة.. وهو أمر أعتقد أنه سينجح إلى حد كبير فى بلادنا بعد تمصيره.. ولكن الأهم هو ما لم يتم بعد.. المشكلة الرئيسية فى قضية السكان هى محاربة الفكر الذى يقضى أن النسل «عزوة».. وأن التناسل هو أمر يتعلق بالدين أكثر من الظروف الاقتصادية.. الأمر الذى يغذيه بعض الذين يطلق عليهم شيوخ دون تأهيل أو أحقية.. وبفتاوى لا أعرف لها مصدراً أو سنداً.. أعرف صديقاً رقيق الحال يرفض رفضاً باتاً أن تستعمل زوجته أى وسيلة لتنظيم النسل.. بل ويحرص على أن ينجب بشكل منتظم -على الرغم من الحالة الصحية لزوجته التى ليست على ما يرام- ومعللاً ذلك أن تنظيم النسل «حرام» شرعاً بفتوى الشيخ فلان الذى يصلى به فى المسجد القريب من بيته.. وإذا تحدث معه أحد أن عدداً أقل من الأولاد سيضمن لهم تعليماً أفضل ورعاية صحية جيدة.. يكون رده بأن «المولود يأتى برزقه».. وأن الرازق هو الله..! إنه يصدر فى وجهك سلاحاً يصعب عليك مواجهته.. ويستخدم ما لا يمكنك أن تجادله فيه وهو الدين..!
الفكرة أن محاولات الدولة لمواجهة هذا النوع من الفكر لم تخرج حتى الآن عن مرحلة «انظر حولك».. تلك الحملة الشهيرة فى تسعينات القرن الماضى.. التى حل محلها حملة «اثنين كفاية» التى أطلقتها وزارة التضامن الاجتماعى مؤخراً.. وعلى الرغم من جودة تلك الحملة تحديداً.. ولكنها تدخل تحت نطاق الحملات الموجهة.. التى لا تصمد أمام فكر يحمل صبغة دينية.. أو أمام فتوى أحد الذين لا يحملون أى مؤهل للفتوى سوى أنهم يصلون بالناس فى زوايا القرى..!
إن مشاركة المؤسسة الدينية الرسمية فى الحملة الفكرية لتنظيم النسل هى أمر ضرورى من وجهة نظرى.. فوجود الأزهر بشيوخه الذين يمتلكون من العلم ما يردون به على تلك الفتاوى العجيبة هو أول الطريق.. وأفضل الوسائل لتغيير الفكر ذاته لدى العامة..!
أعتقد أن اقتراحاً بمشاركة الأزهر مع وزارة الصحة ووزارة التضامن فى مشروع قومى لتغيير الثقافة الإنجابية لدى المواطن قد يكون مفيداً.. وإتاحة مساحة إعلامية جيدة للشيوخ المؤهلين مع خبراء فى مجال الاقتصاد وخصائص السكان سيخلق نوعاً من القناعة لدى الناس بضرورة النظر إلى هذه المشكلة بعين الاهتمام.. فالزيادة السكانية هى المشكلة الأكبر التى لن تجعلنا نشعر بأى تحسن فى الأحوال المعيشية.. مهما بذلت الدولة من جهد.. أو هكذا أظن!